علاقة مدينة عاليه وجوارها مع الاصطياف قديمة، تعود إلى عام 1885، عندما بنى ميشال حبيب بسترس أول قصر فيها، قبل أن يعمد أثرياء آخرون إلى بناء عدد من المنازل الفخمة للاصطياف فيها والتمتّع بمناخها المعتدل صيفاً. استفادت المدينة من مرور خط السكة الحديد فيها الذي وصل بيروت بدمشق، فتعزّز دورها. ومع نهاية الحرب العالمية الأولى اتّخذ المفوّض السامي الجنرال غورو مدينة عاليه مصيفاً له ولدائرته. ومنذ أربعينيات القرن الماضي، أضحت عالية مركز الاصطياف الأول في لبنان، وقد سكنها صيفاً عدد كبير من رؤساء الجمهورية والحكومة، كبشارة الخوري وشارل حلو ورياض الصلح وغيرهم. لاحقاً عرفت عاليه عصرها الذهبي في ستينيات وسبعينيات القرن العشرين، مع اكتظاظها بالسياح واستقبالها الزعماء والأمراء والفنانين العرب بشكل دائم ومستمرّ. ومع نهاية الحرب الأهلية عادت لتعيش مواسم اصطياف ناشطة.بشكل تدريجي، تراجعت الحركة السياحية في عاليه نتيجة تدهور الأوضاع السياسية والاقتصادية في البلاد والجوار، لتأتي أزمة كورونا وتزيد الأمور تعقيداً في السنتين الأخيرتين. هذا العام، ومع رفع قيود كورونا وكثرة الحديث عن ازدياد أعداد السياح والمغتربين القادمين إلى لبنان، توسّم أبناء عاليه خيراً بموسم سياحي واعد، لكنّ الانطلاقة البطيئة جداً لموسم الاصطياف أعادت أصحاب المؤسسات السياحية في المدينة إلى واقعهم المرير. التجوّل في شارع المطاعم في عاليه يؤكد هذا الواقع الصعب، كثير منها أقفلت أبوابها، في حين لا يتجاوز عدد المؤسسات المستمرّة أصابع اليدين، وهي تشكو من قلّة الزبائن وكثرة النفقات التشغيلية، ما يخفّض هامش الأرباح بدرجة كبيرة.

المطاعم شبه خالية
«حتى الآن، الموسم كارثي»، بهذه الجملة يختصر بلال وهاب، صاحب مطعم، واقع الاصطياف في المدينة. يذكر وهاب أن السياحة في عاليه كانت تعتمد بشكل كبير على الخليجيين، ومع تراجع حضورهم وصولاً إلى انقطاعهم بشكل كلي عن زيارة لبنان، حاولت المؤسسات السياحية تعويض غيابهم من خلال استقبال اللبنانيين المقيمين في العاصمة والمناطق الساحلية الذين كانوا يلجأون إليها هرباً من الحرارة المرتفعة صيفاً. لكن حالياً، وبعد الانهيار الاقتصادي وارتفاع سعر البنزين بات اللبنانيون يواجهون صعوبة في التوجه نحو عاليه والمناطق الجبلية، وبالتالي فقدت المطاعم والمقاهي زبائنها الخليجيين واللبنانيين. ويلفت وهاب إلى أن العديد من السياح الحاليين، وتحديداً العراقيين والأردنيين والمصريين، يفضلون التوجه إلى المناطق الساحلية كجونية وجبيل والبترون بدلاً من المناطق الجبلية، ما يزيد من صعوبة أوضاع مؤسسات عاليه التي تفتقد إلى حملات دعائية وترويجية تسوّق لها وتعرّف المغتربين بها.
داخل مطعمه الخالي من أيّ زبون، يسرد كنان الآغا الشكاوى عينها، لافتاً إلى أن الأعمال تراجعت بحدود الـ90% عن السنوات الماضية، ما حتّم تخفيض الأسعار وجعلها أرخص من مطاعم العاصمة من أجل تشجيع الزبائن على القدوم. ويذكر الآغا أن الأزمة أجبرتهم على تغيير نمط عملهم، فبدلاً من البقاء حتى ساعات الصباح الأولى، بات المطعم يغلق أبوابه باكراً، بسبب عدم توفّر التيار الكهربائي. من جهة ثانية، وبعدما كانت جميع أيام الأسبوع تضجّ بزحمة الزبائن، بات الأمر يقتصر على ليلة السبت التي تشهد بعض الحركة، في حين يسيطر الجمود على باقي الأيام. «صدقاً، في أيام ما عم نتستفتح فيها»، يختم الآغا.

الفنادق تشكو الكلفة
بدورها تعاني الفنادق ظروفاً صعبة، وفي هذا الإطار يؤكد كريم حريز، صاحب فندق، أن «موسم الاصطياف لم يكن على قدر التطلعات ولا سيما أن نسبة الحجوزات انخفضت عمّا كانت عليه في سنين سابقة». ويذكر أن فندقه، كسائر المصالح السياحية، «يدفع ثمن غياب الخدمات الأساسية، فتأمين المازوت من أجل توفير التيار الكهربائي بات أمراً يكلّف نحو مئة مليون ليرة شهرياً لشراء المازوت فقط».
غيّرت الأزمة من نمط العمل، إذ لا سهر حتى ساعات الصباح الأولى


تجدر الإشارة إلى أن العديد من فنادق عاليه توقّفت عن العمل في الفترة الأخيرة جرّاء تضاعف التكاليف وانخفاض الأرباح. الأزمة السياحية لم تقتصر على مدينة عاليه فقط، بل شملت بلدات القضاء أيضاً، فحال عروسة المصايف كحال شقيقاتها الأخريات مثل بحمدون وسوق الغرب وصوفر التي تعيش مؤسساتها السياحية واقعاً مشابهاً من حيث الصعوبات والتداعيات الاقتصادية.

والبلدية تشكو التمييز
«صحيح أن بداية الموسم غير جيدة، لكننا نأمل ونتوقع أن تتحسّن الأمور في بداية شهر آب مع قدوم المزيد من المغتربين»، بهذا النفس الإيجابي، يتناول رئيس جمعية تجار عاليه سمير شهيب موسم الاصطياف. ينتقد شهيب التمييز بين المناطق على صعيدَي التسويق الإعلامي والخدمات، «عندما تحضر الكهرباء في مناطق سياحية عديدة لساعات طويلة بينما لا تأتي في عالية سوى ساعة واحدة يومياً إذا أتت، فهذا يعني أن الدولة تقول للناس لا تزوروا عاليه». ويذكر شهيب أن بلدية عاليه وفاعلياتها يعملون بأقصى طاقتهم من أجل تشجيع السياح على زيارة المدينة في هذه الظروف الصعبة، وذلك من خلال تنظيم المهرجانات الصيفية، والعمل على حفظ الأمن بواسطة عشرات الشرطيين البلديين الذين ينتشرون في أرجاء المدينة للسهر على أمنها.