في كلمته أمس، ذكّر الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله بأنَّ «مِن جملة إنجازات المقاومة في حرب تموز إسقاط المشروع الأميركي للشرق الأوسط الجديد الذي كانت تعمل له إدارة الرئيس الأميركي السابق جورج بوش للسيطرة على المنطقة بالقوات العسكرية المباشرة». ودعا إلى عدم بناء أوهام وآمال على زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن الحالية للمنطقة، لأن «أميركا اليوم غير أميركا 2003 و2006، والرئيس الأميركي العجوز هو صورة عن أميركا التي بدأت تدخل مرحلة الشيخوخة أو دخلتها بالفعل». وأكد أن للزيارة هدفين أساسيين: إقناع دول الخليج بإنتاج وتصدير المزيد من النفط والغاز، بعدما جرّت أميركا التي تقاتل روسيا بالأوكرانيين معها كل الدول الأوروبية التي بدأت تعاني بشدة على المستوى الاقتصادي، والالتزام بأمن إسرائيل والتركيز على التطبيع».انطلاقاً من الحاجة العالمية للطاقة، شدّد نصر الله على أن «الفرصة الذهبية للبنان للحصول على هذه الثروة النفطية والغازية هي في هذين الشهرين، وإذا انقضت هذه المدة الزمنية ولم يحصل لبنان على حقوقه فسيكون الموضوع صعباً جداً، وإذا ذهبنا لتحصيل حقوقنا بعد استخراج النفط والغاز من كاريش فستكون الكلفة أكبر». ودعا المسؤولين اللبنانيين الى أن «لا تسمحوا للأميركي بأن يخدعكم ويقطّع الوقت. إذا لم نثبت حقنا قبل أيلول فستكون المهمة صعبة ومكلفة»، مشدداً على أن «المقاومة هي نقطة القوة الوحيدة والحقيقية التي يمتلكها المفاوض اللبناني».
ومن دون أن يسمّي، علّق على من اعتبروا أن إطلاق المسيرات كان خارج الاتفاق، مؤكداً «أننا لم نتفق مع أحد ولم نقل لأحد إننا لن نقدم على خطوة وننتظر المفاوضات. نحن خلف الدولة في الترسيم، لكننا لن نقف مكتوفي الأيدي ولم ولن نلتزم مع أحد، ومن حقنا اتخاذ أي خطوة في الوقت والحجم المناسب للضغط على العدو لمصلحة لبنان». وشدّد على أنّ الوسيط الأميركي في ملف ترسيم الحدود عاموس هوكشتين «ليس وسيطاً بل يضغط على لبنان لمصلحة الإسرائيلي»، لافتاً إلى أن الأمر الذي ألزَمه بالمجيء إلى لبنان آخر مرة هو، أولاً «حاجة أميركا للنفط والغاز لأجل أوروبا، والثاني تهديد المقاومة. ولولا المقاومة ولولا أنه يعلم أن لديها مسيّرات وصواريخ دقيقة وقدرات ولديها من الشجاعة والجرأة على أن تهدد وتقدم وتفعل، لما جاء». وأوضَح أن «المسيّرات جاءت بعد الجواب الأميركي الواضح بالخداع وتقطيع الوقت وتركيب الطرابيش»، وقد «أردنا مسيّرات تستطلع ويسقطها الإسرائيلي لأننا أردنا أن يعرف المهندسون والموظفون أنهم يتحركون في منطقة غير آمنة، وأن هناك تهديداً جدياً»، مشيراً إلى أنها «المرة الأولى في تاريخ الكيان تُطلَق باتجاهه ثلاث مسيّرات في آن ضد هدف واحد، ونحن قادرون على إرسال الكثير من المسيّرات في آن واحد وبأحجام مختلفة، مسلّحة وغير مسلّحة». وأضاف إن «لدى الأميركيين في لبنان بعض المستشارين الأغبياء الذين يقولون لهم إن حزب الله لن يذهب الى الحرب بسبب الوضع، لكن رسالة المسيّرات أكدت أننا جديّون ولا نقوم بحرب نفسية ونتدرّج في خطواتنا، وما يتطلّبه الموقف سنقدم عليه من دون أي تردد، وهذه رسالة فهمها العدو جيداً»، و«على العدو أن يعرف أن قدراتنا متنوعة ومتعددة في الجو والبحر والبر، وهي خيارات مفتوحة وموجودة على الطاولة، واللعب بالوقت غير مفيد. وكل ما يخدم القضية قادرون على الإقدام عليه، وسنقدم عليه بالحجم والوقت والشكل المناسب».
هذه طريق الإنقاذ الوحيدة... وصلنا إلى نهاية الخط ولا ننتظر إجماعاً


وربط نصر الله موضوع الترسيم باستخراج الغاز قائلاً إن «المسألة ليست فقط بالاعتراف بالحدود البحرية، بل بالإذن للشركات بالقدوم واستخراج النفط والغاز. المسألتان بحاجة الى حل. فلا يكفي أن يقولوا هذه حدودكم وممنوع على الشركات الاستخراج وإلا يكون الإنجاز ورقياً». وللعدو والصديق فال نصر الله «نحن لا نمارس حرباً نفسية. نحن جديّون وهذه طريق الإنقاذ الوحيدة للبنان والوطن وكيان الدولة المهددة بالانهيار. نحن نتحدث عن عملية إنقاذية، لأننا إذا بقينا على ما نحن عليه فلبنان ذاهب إلى ما هو أسوأ من الحرب. هناك من يريد لهذا الشعب أن يموت جوعاً وأن نقتل بعضنا على أبواب الأفران ومحطات البنزين، وإذا كان الخيار أن لا يُساعَد لبنان ويُدفع باتجاه الجوع، فالحرب أشرف بكثير». وأضاف «لقد وصلنا إلى نهاية الخط، ونحن لا ننتظر إجماعاً. منذ 1982 التجربة تقول إننا لو انتظرنا إجماعاً وطنياً لكان لبنان الى اليوم تحت الاحتلال الإسرائيلي، لن ننتظر إجماعاً ولن نتخلى عن الدولة». وختمَ «نحن لا نختصر المسألة بحقلَيْ كاريش وقانا، المسألة لدينا أكبر وأبعد بكثير. إذا وصلت الأمور الى الخواتيم السلبية فلن نقف عندَ كاريش، وإذا كانَ الهدف منع لبنان من استخراج النفط والغاز، فلن يستطيع أحد أن يستخرج غازاً ونفطاً ولا أن يبيع غازاً ونفطاً مهما تكن العواقب. وصلنا الى آخر الخط».



تعتيم وإرباك في إسرائيل
كلمة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، أمس، والتي يتوقع أن تحتل حيزاً واسعاً جداً على طاولة التقدير والقرار في تل أبيب، بقيت حتى ساعات متقدمة ليل أمس خاضعة لقرارات الرقابة العسكرية التي، كما يبدو، فضّلت اقتصار مقاربة وسائل الإعلام العبرية على التغطية الخبرية من دون أي تعليقات تذكر. ولم تكتف إسرائيل الرسمية بامتناع السياسيين والأمنيين عن التعليق وحسب، بل شملت الإجراءات الرقابية المراسلين والمعلقين، في إجراء تعتيمي قلّ نظيره، ويشير الى حجم الإرباك، إذ إن الكلمة جاءت مفاجئة في مضمونها ومباشرتها لتهديدات لم ترد بهذا الوضوح سابقاً على لسان نصر الله نفسه، كما أنها تقلب التموضعات بين الجانبين، إذ بدل أن يتلقّى لبنان واللبنانيون تهديدات إسرائيل بالحرب، كما هي العادة، تلقّت إسرائيل هذه المرة التهديدات بها بشكل شبه مباشر، وهي سابقة سيتوقف عندها طويلاً صاحب القرار في تل أبيب، بعدما بدّدت تقديرات سابقة لديه توهّم بنتيجتها أن الأمور لن تصل الى حد التصعيد العسكري الفعلي في المواجهة البحرية مع حزب الله.
مهما تكن الحال، فإن الإجراءات الرقابية لا تمنع وصول الرسالة، الحربية هذه المرة، الى آذان المستويين السياسي والأمني في تل أبيب، إذ خصصت لإفهامهم جدية موقف حزب الله وتصميمه على الذهاب بعيداً لتحصيل حقوق لبنان، وهذه المرة، مهما كانت العواقب والأثمان.