عقد في مجلس النواب، الأسبوع الماضي، اجتماع دعا إليه نائب رئيس المجلس الياس بو صعب مجموعة من ذوي الخبرة القانونية للاستماع إلى آرائهم بشأن مشروع قانون تقييد عمليات السحب والتحويل (كابيتال كونترول)، انتهى بالاتفاق على اجتماع ثانٍ يعرض فيه كل من الحاضرين رأيه مكتوباً، لتضمين هذه الآراء في النقاشات الجارية في اللجان المشتركة التي ستناقش مشروع القانون.عملياً، انتهى الاجتماع مثل أي «حفلة تشاور»، بحسب مصادر سياسية في التكتل الذي ينتمي إليه بو صعب. لكنها أعادت، إلى حدّ ما، مشروع الـ«كابيتال كونترول» إلى التداول بعد سقوطه في اللجان النيابية المشتركة في 20 نيسان الماضي. يومها كانت حجّة اللجان أن المشروع لا يراعي حقوق المودعين ويحملهم الخسائر، فضلاً عن أنه يربط إقرار القانون بخطّة حكومية شاملة، إذ أن مناقشة المشروع تزامنت مع تسريب مسوّدة خطة مالية للحكومة تتضمن شطباً لخسائر بقيمة 60 مليار دولار من درب مصرف لبنان والمصارف وتحميلها للمودعين. وأمام اعتراض اتحاد نقابات المهن الحرّة وجمعيات المودعين، فُضّت الجلسة حتى قبل أن تبدأ بحجة عدم توافر النصاب، فيما السبب الفعلي هو عدم رغبة غالبية الكتل النيابية في إقرار القانون، بعضها بسببب اقتراب موعد الانتخابات النيابية وبعضها الآخر لأنه لا يريده من أصله.
وبعد الحديث عن نية رئيس مجلس النواب نبيه بري الدعوة إلى جلسة تشريعية لمناقشة قوانين إصلاحية وعلى رأسها الـ«كابيتال كونترول»، دعا بو صعب إلى الاجتماع الذي حضره متخصصون في القانون والمال ومصرفيون وصحافيون وبعض ممثلي لجان المودعين (بول أبي نصر، سابين الكك، كارول عياط، مروان بركات، فادي عبود، زياد بارود، نيكولا شيخاني، نقولا شماس، ليلى داغر، كريم ضاهر، نسيب غبريل، علي نور الدين، جاد غصن، موريس متى، رائد خوري، إيلي شمعون).
الاجتماع، وفقاً لبو صعب، أتى استباقاً لطرح القانون في اللجان المشتركة من أجل «إشراك الاختصاصيين ونقل وجهة نظرهم وملاحظاتهم إلى النواب». وأكد أن الاجتماع «مبادرة فردية وغير مطلوب من أي جهة. وسيستكمل في جلسة أخرى لمناقشة ملاحظات الحاضرين بالتفصيل».وبحسب مشاركين، برز رأيان في الاجتماع؛ الاقتصاديون المستقلون طرحوا ربط المشروع بخطة تعاف شاملة وإجراء تعديلات أساسية على المادة 12 منه المتعلقة بتبرئة المصارف ووقف الدعاوى وغيرها من البنود التي تعطي صلاحيات واسعة واستنسابية للجنة خاصة مؤلفة من وزير المال وحاكم مصرف لبنان تتولى وضع القيود التي تراها مناسبة. ورأي من يمثّلون المصارف وهيئات أصحاب الرساميل الضاغط لإقرار المشروع بسرعة وخارج أي خطة مالية لأن «الوقت أهم من المضمون ويفترض الإسراع لحماية أموال المودعين».
برأي رئيس الجمعية اللبنانية لحقوق المكلفين كريم ضاهر الذي حضر بصفة شخصية، الهدف من الـ«كابيتال كونترول» ليس منع إخراج الأموال أو السحوبات بل تأمين توازن في حساب المدفوعات وإعادة إطلاق الاقتصاد. وثمة 3 أولويات تحكم البحث بهذا المشروع: عدم استخدامه لغير مآربه، ومنع أي استنسابية غير قانونية من خلال هذا القانون كتبرئة ذمة المصارف أو بالأحرى من هم على رأس المصارف ما يحول دون مساءلتهم، وأن يكون جزءاً من رزمة كاملة أولها إعادة هيكلة المصارف ورفع السرية المصرفية أو تطبيق القوانين المصرفية في حال توقف المصارف عن الدفع وعلى رأسها القانون رقم 2/67.
القانون يتضمّن اعترافاً ضمنياً بتهريب الأموال الذي لم يكن مخالفاً للقانون


من جهته، يشير غصن إلى أن تقييم الاقتراح ينطلق من الأهداف المُعدّ لأجلها وأسبابه الموجبة. فالهدف من الـ«كابيتال كونترول» وفقاً للمشروع هو «وضع ضوابط على عمليات التحاويل إلى العملات الأجنبية لمنع المزيد من تهريب رؤوس الأموال وتدهور سعر الصرف وحماية المودعين من خلال الحفاظ قدر الإمكان على الأصول بالعملات الأجنبية في القطاع المصرفي». وهذا «يناقض مضمون القانون نفسه، بل يشكل اعترافاً ضمنياً بتهريب الأموال الذي لم يكن مخالفاً للقانون. على أن أساس هذا المشروع يفترض أن يكون معالجة الخلل البنيوي في ميزان المدفوعات لكنه أمر غير مذكور نهائياً! فوظيفة هذا القانون ليست حماية المصارف أو المودعين. النقطة الثانية تكمن في ضرورة تحديد سقوفه المالية بطريقة واضحة وبأي عملة وإقراره من ضمن خطة مالية لخدمته وتحديد حجم الدولارات التي ستستخدم وكيفية تخفيف الاستيراد لضبط الاقتصاد. ويشمل ذلك تعديل صلاحيات اللجنة». ويبدو واضحاً أن «ثمة اعتراضاً كبيراً من النواب على ترؤس وزير المال للجنة، ويحاولون الحصول على بدائل من الحاضرين لتبنيها عبرهم». أما النقطة الثالثة فتستدعي «إسقاط البند المتعلق بحماية المصارف من الدعاوى الداخلية والخارجية. هذا البند يتناقض مع الأسباب الموجبة المذكورة إذ يمنع المودعين من رفع دعاوى رغم إقرار المشروع بحصول تهريب أموال بطريقة استنسابية». الملاحظات التي ستكون محور نقاش جلسة الاجتماع المقبل، سيرفعها بو صعب في تقرير إلى النواب. من هنا يتخوف غصن من أن تستخدم الملاحظات باستنسابية وبما يناسب مصلحة المصارف وشركائها وأن يتم اعتماد تقرير الأكاديميين والاختصاصيين «كشماعة لتمرير ما يريد النواب والمصرفيون ومصرف لبنان إمراره».