ارتفاع نسب البطالة وازدياد مستوى الفقر وانخفاض دخل الافراد الناتج عن الأزمة الاقتصادية يمكن، بحسب العلم الجنائي، ان يؤدي إلى زيادة مستويات الجريمة، ويدفع بعض الأفراد إلى النشاط الجنائي لتوفير احتياجاتهم الأساسية. من هنا، يستغل العدو الإسرائيلي الظروف المعيشية والاقتصادية الصعبة التي يعيشها السكان في لبنان من أجل تجنيد اشخاص بهدف تشغيلهم مقابل رواتب مرتفعة نسبياً. وبما ان الفرد في لبنان يجد ان السبل القانونية لكسب المال لم تعد متاحة، لا سيما مع ارتفاع معدلات البطالة وانهيار القيمة الشرائية للعملة الوطنية، فقد يلجأ الى طرق غير شرعية لإعالة اسرته، وربما ينخرط في نشاطات إجرامية، والعمالة ليست استثناء بالنسبة للبعض. نلفت في النص الآتي الى بعض العوامل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي تساهم في تحويل المجتمع الى بيئة مساعدة على العمالة للعدو، ونشير الى ان القوى الامنية والعسكرية والاستخباراتية تلاحق المشتبه بهم وتحقق معهم بإشراف القضاء المختص. كما نشير الى تعاون من قبل الاهالي والفعاليات في القرى والبلدات والاحياء الشعبية

بيّن مسح مشترك أجرته منظمة العمل الدولية التابعة للأمم المتحدة والحكومة اللبنانية أن معدل البطالة الرسمي في لبنان قفز ثلاثة أضعاف في بداية هذا العام، وارتفع من 11.4 في المئة في 2018-2019 إلى 29.6 في المئة في كانون الثاني 2022. بالإضافة الى ذلك، انتشر الفقر بشكل كبير وهو يؤثر حالياً على حوالي 74٪ من السكان بحسب تقديرات البنك الدولي التي تشير إلى أن نسبة السكان اللبنانيين تحت خط الفقر قد ارتفعت بنسبة 9.1 في المئة مع بداية عام 2022.
تلك العوامل وغيرها، كالفساد وثقافة الإفلات من العقاب وعدم المساواة الهيكلية في النظام السياسي والاقتصادي الفاسد يمكن ان تؤدي الى تورط بعض الافراد في شبكات تعمل لمصلحة العدو الإسرائيلي ولو بمبالغ زهيدة، حيث يستفيد العدو الإسرائيلي من ارتفاع سعر الدولار في السوق السوداء وحاجة السكان في لبنان للـ«فرش دولار».


يقوم العدو، كما يبدو، بابتكار سبل جديدة لتصيّد السكان في لبنان، مستغلاً حاجتهم للعمل، عبر عرض فرص عمل وهمية وتأسيس منظمات وجمعيات «غير حكومية»، تقوم في ظاهرها بأعمال إحصاء ودراسات واستطلاعات رأي وغيرها، وفي باطنها تهدف الى جمع معلومات ومعطيات حساسة. وكانت «القوس» قد ألقت الضوء في عددها الخامس عشر على الطرق المختلفة التي يلجأ لها العدو ليشكل مساحة جاذبة للشباب والناشئين بهدف توريطهم بشبكات تعمل لصالحه، وذكّرت بمعايير السلامة والحذر في ما يخصّ التفاعل عبر الانترنت، خصوصاً ان عدداً من المتورطين في هذه الاعمال من الممكن ان لا يكون لديهم علم بهوية الجهة التي يتعاملون معها.

العوامل الاجتماعية
من بين الأسباب الاجتماعية للجريمة غياب الروابط الاجتماعية التي من شأنها ان تلجم الفرد عن التورط في الأفعال الجرمية. فمن عوامل الخطر الاجتماعية للتورط في الأعمال التجسسية لمصلحة العدو الإسرائيلي تكون عبر زعزعة الاستقرار والتماسك الاجتماعي من خلال التحريض المذهبي والطائفي والخطابات التي تؤدي الى شحن النفوس. مؤخراً كثُرت الممارسات والخطابات التحريضية التي من شأنها تهديد التماسك والاستقرار الاجتماعي عبر تحميل جهة محددة من اللبنانيين انهيار الاقتصاد مثلاً، أو من خلال الترويج لأفكار ومعتقدات مضللة للواقع كـ «الاحتلال الإيراني» والتي يمكن ان تؤدي الى توسيع الشرخ بين اللبنانيين حول قضايا مصيرية كتلك المتعلقة بالموقف من العدو الإسرائيلي.
من ناحية أخرى، يعتبر النقص في دعم الأسر والأحياء الفقيرة وعدم تمكّن الافراد من الوصول الى الخدمات الأساسية من الأسباب الاجتماعية الأخرى للجريمة. وإذا وضعنا هذه العوامل في إطار الوضع الاجتماعي - الاقتصادي السيئ في لبنان، حيث أكثر من 80 في المئة من السكان لا يحصلون على حاجاتهم الأساسية، بما في ذلك الرعاية الصحية والتعليم ومستوى العيش الكريم واللائق، مثل السكن المناسب والكهرباء والمياه، وفقًا للتقرير الصادر عن الأمم المتحدة، يتحوّل المجتمع في لبنان الى بيئة خصبة للنشاط الاجرامي، لا سيما «العمالة» بحيث يستخف «العميل» بخطورة الخيانة ويمكن ان يتمادى «انتقاماً» من دولته التي لا تقدم له شيئاً.

العوامل الثقافية والتربوية
لا يمكن التغاضي عن تأثير القيم الأخلاقية وقواعد السلوك على انخراط الافراد في شبكات تعمل لمصلحة العدو الإسرائيلي. فالانفتاح الغربي المطلق يعد سلبياً بالدرجة الأولى، اذ يمحو هوية الافراد وقد يجعلهم فرائس لأي تيار يجرفهم معه كيفما يشاء، من دون الاحتكام الى العقل. وقد بات واضحاً تأثير الغرب المباشر على تورط الافراد في شبكات التجسس لمصلحة العدو من خلال «تبسيط» العداء لإسرائيل حتى حدود الاستخفاف. فمع غياب القيم الأخلاقية الاجتماعية التي تكرس فكرة العداء لإسرائيل انطلاقاً من احتلاله وجرائمه المتمادية، وقلة التوعية بسبب ضعف الارتباط بالواقع والانجراف للتيار الغربي، قد يضعف المانع المجتمعي لمكافحة العمالة للعدو الإسرائيلي المدعوم بشكل أساسي ومركّز من الدول الغربية وتحديداً أوروبا والولايات المتحدة.
أضف الى ذلك، افتقار المناهج التعليمية والتربوية وكتب التاريخ لفصول مخصصة للإحاطة بالأفعال الاجرامية الإسرائيلية في لبنان وفلسطين، والتي تعتبر أساسية لتعزيز القيم الأخلاقية للشباب الذين ربما لم يشهدوا الحروب الإسرائيلية الكبرى، من اجل تعزيز «الانتماء» للوطن وتكريس فكرة العداء لإسرائيل في كل زمان ومكان.

سطوة الاعلام والتواصل الاجتماعي
يبرز ايضاً دور الاعلام المحلي المرئي والمسموع من جهة والاعلام عبر التطبيقات الالكترونية والانترنت من جهة ثانية. اذ ان بعض التلفزيونات المحلية تمتنع عن اظهار الاسرائيلي كعدو وتمتنع عن توصيف اعماله العدائية كجرائم علماً ان الأمم المتحدة نفسها تدين الممارسات الإسرائيلية وتصفها كجرائم يفترض ان تعاقب عليها. أما الانترنت ووسائل التواصل الاجتماعي فيستخدمها الإسرائيليون وداعموهم كمنصات لتضليل الحقيقة من خلال تلميع صورة «إسرائيل» وتبرئتها من جرائمها المتمادية ونظامها العنصري. وقد أطلق العدو الإسرائيلي مؤسسات لتنظيم التلاعب بالحقيقة عبر الفضاء الالكتروني ومنها «الهاسبارا» (انظر صفحة 4-5)

اثر تطبيع بعض الدول العربية
إضافة الى الانعكاسات السلبية للتطبيع العربي مع العدو الاسرائيلي على القضية الفلسطينية، يمكن ان يؤثر المشهد العام للتعاون العربي مع العدو على نشوء أجيال جديدة متناغمة مع إسرائيل، تمهّد لفكرة التطبيع، وبالتالي ازدياد خطر تجنيد الافراد والجماعات المقتنعة بـ«وجوب» التطبيع مع العدو وانشاء شبكات التجسس التي تمدّه بمعلومات حساسة تهدد أمن وسلامة لبنان واللبنانيين.
الأخبار المضللة للواقع مثل شعار «الاحتلال الإيراني» قد تؤدي الى توسيع الشرخ بين اللبنانيين حول الموقف من العدو الإسرائيلي


فبين تسارع خطوات التعاون بين دولة الامارات العربية المتحدة والعدو الإسرائيلي منذ توقيع اتفاقية التطبيع، ومصادقة الحكومة الإسرائيلية على خطة لتعزيز العلاقات الاقتصادية مع مصر، وتوقيع كل من «إسرائيل» ومصر والاتحاد الأوروبي اتفاقية تزويد اوروبا بالغاز الطبيعي، والتطور الواضح في العلاقات بين العدو الإسرائيلي والمملكة الأردنية ومظاهر التعاون الثنائي التي توسعت في كثير من المجالات كالطاقة والمياه والأبحاث العلمية، وتوقيع مذكرة شراكة استراتيجية في مجال التعاون الاقتصادي والتبادل التجاري بين المملكة المغربية و«إسرائيل»، واتفاقية تعزيز التعاون الأمني بين العدو الاسرائيلي ومملكة البحرين، والتعاون العسكري والاقتصادي مع السودان، هناك خطر متزايد بأن يبدأ البعض في لبنان بالدعوة الى «شرعنة» التعامل مع العدو الإسرائيلي أو بالحد الأدنى الى التساهل مع ذلك من دون التعبير عنه في العلن. ويساهم ذلك في صناعة البيئة المساعدة على التعامل مع الصهاينة في لبنان خصوصاً في بعض الأوساط التي تدعو ليل نهار الى معاداة المقاومة.



تعريف الخيانة بحسب القانون
اعتبر قانون العقوبات أن خيانة الوطن هي من الجنايات الواقعة على أمن الدولة الخارجي، ومنها أعمال العدوان ضد لبنان والتجسس ودس الدسائس عبر إقدام أي لبناني أو أجنبي مقيم في لبنان على :
- حمل السلاح على لبنان في صفوف العدو.
- التجنّد بأي صفة كانت في جيش معاد ولم ينفصل عنه قبل أي عدوان ضد لبنان.
- الاقدام في زمن الحرب على أعمال عدوان ضد لبنان.
- دس الدسائس لدى دولة أجنبية أو الاتصال بها لدفعها الى مباشرة العدوان على لبنان أو لتوفير الوسائل إلى ذلك ودس الدسائس لدى العدو أو الاتصال به ليعاونه بأي وجه كان على فوز قواته.
- الإضرار بالمنشآت والمصانع والبواخر والمركبات الهوائية والأدوات والذخائر والارزاق وسبل المواصلات وبصورة عامة بكل الاشياء ذات الطابع العسكري أو المعدة لاستعمال الجيش أو القوات التابعة له.
- تقديم مسكن أو طعام أو لباس لجاسوس أو لجندي من جنود الاعداء يعمل للاستكشاف أو لعميل من عملاء الاعداء أو مساعدته على الهرب أو إجراء اتصال مع أحد هؤلاء الجواسيس أو الجنود او العملاء وهو على بينة، من أمره.
- تسهيل فرار أسير حرب أو أحد رعايا العدو المعتقلين.
- التجسس عبر الدخول أو محاولة الدخول الى مكان محظور، بقصد الحصول على أشياء أو وثائق أو معلومات يجب أن تبقى مكتومة حرصا على سلامة الدولة.
- سرقة أشياء أو وثائق أو معلومات أو الاستحصال عليها .
- إفشاء أو إبلاغ الوثائق أو المعلومات السرية ممن كانت في حيازته، وتشدد العقوبة إذا كان ذلك لمنفعة دولة أجنبية، وتشدد العقوبة اذا كان المجرم يحتفظ بما ذكر من المعلومات والاشياء بصفة كونه موظفا أو عاملا أو مستخدما في الدولة، وتشدد أكثر اذا كان ذلك لمنفعة دولة أجنبية.


التطبيع من خلال الفيديوغايمز
في زمن العولمة وبالنسبة للشباب والمراهقين، أصبحت العاب الفيديو في متناول جميع شرائح المجتمع تقريباً، ومع انتشار بعض الألعاب الالكترونية المشتركة نشأت مساحة للتواصل مع لاعبين إسرائيليين غير خاضعة لأي رقابة، فتعتبر بالتالي من العوامل الاجتماعية التي يمكن ان تؤدي الى انخراط الفئة الشابة في المسار الذي يؤدي الى تقبّل فكرة التطبيع مع العدو الإسرائيلي. (راجع القوس عدد 15-4-2022)


فخّ إعلانات التوظيف
لإعلانات التوظيف عبر الانترنت وتحديداً عبر منصات مثل Facebook Instagram LinkedIn وTwitter عناوين وأرقام هواتف أجنبية (معظمها أوروبية) وهمية وهي تتبع بغالبيتها لشركات إسرائيلية. وبعد تزايد التوقيفات والتحقيقات مع الشبكات المكتشفة مؤخّرًا من قبل الأجهزة الأمنيّة والعسكرية والاستخبارية، تبيّن أن العديد من الأشخاص وقعوا في فخ التواصل والتفاعل وتقديم الطلبات والمعلومات عبر هذه الإعلانات والعروض وفرص العمل التي تستهدف اللبنانيين تحديدًا. وعلى غرار شركة الخدمات المالية والمصرفية وتحويل الأموال Payoneer (مركزها مدينة نيويورك الأميركية لصاحبها ومؤسّسها رجل الأعمال الإسرائيلي يوفال تال) المحجوبة مؤخّرًا في لبنان، فإنّ أغلب هذه الشركات ترأسها أو تديرها شخصيات إسرائيلية تتّخذ من عدّة عواصم وبلدان حول العالم، من بينها بلدان عربية، مركزًا لها.
أغلب هذه المواقع والصفحات والمنصّات باتت تغلق تلقائيًا أو تختفي من الشبكات بمجرّد اكتشافها ومعرفة خلفياتها وأهدافها وهو ما يصعّب التحقيق.
ويمكن تجنب الوقوع في الفخ الاسرائيلي اثناء استخدام الانترنت من خلال:
◄ عدم الرّد والتفاعل على محادثات وصفحات وعروض العمل من مصادر غير معروفة.
◄ التأكّد من هوية أصحاب الصفحات ومرسلي الطلبات وتحديد مرجعية الشركات التي تنشر هذه العروض.
◄ تجنّب نشر ومشاركة معلومات شخصية لا سيما حاجيات معيشية وإنسانية كطلب مساعدة مالية أو فرصة عمل أو دواء مفقود.
◄ التبليغ عن الصفحات المشبوهة وابلاغ الأجهزة الأمنية أو العسكرية من أجل رصد وإغلاق هذه الصفحات.
◄ تتبّع عناوين الانترنت IP Address لمعرفة البلدان والمواقع التي تنطلق منها هذه الصفحات قبل متابعة قراءة مضمونها
◄ تحميل وتثبيت تطبيقات صد الإعلانات والدعايات التي تصدر من مواقع إسرائيلية (Ad Blockers)
◄ تحصين أنظمة الحماية مثلFirewall من أجل ضمان عدم الولوج إلى أي محتوى من مواقع إسرائيلية ناشطة لا سيما من خلال الشبكات الافتراضية VPN.