هل اتخذ القرار بتجميد أي حلّ لأزمات لبنان حتى موعد الانتخابات الرئاسية؟الأجوبة كثيرة، لكنها تتقاطع عند فكرة أساسية، وهي أن المحور الذي لم يتمكّن من الفوز بانتخابات نيابية مريحة، وفشل في منع التجديد للرئيس نبيه بري أو إيصال مرشحيه إلى مناصب قيادة المجلس أو رئاسة الحكومة، يريد تنظيم صفوفه بطريقة مختلفة استعداداً للاستحقاق الرئاسي المقبل، وهو ما يتطلّب عدم ترك حزب الله وحلفائه في حالة استقرار في الفترة الفاصلة عن استحقاق تشرين.
والواضح من سياق الترشيحات لرئاسة الحكومة أن العامل الخارجي يعمل على خط واحد. إذ إن هناك توافقاً أميركياً - سعودياً على إهمال الملف اللبناني وعدم التعاطي إلا مع عناوين ذات انعكاسات إقليمية كملف ترسيم الحدود البحرية. وفي ما عدا ذلك، فإن أي تسهيلات لتشكيل حكومة جديدة أو ترتيب الوضع العام في البلاد أو تسهيل تطوير قطاع الطاقة، ستنعكس لمصلحة حزب الله والتيار الوطني الحر والرئيس ميشال عون. ويشهد الحقل السياسي، في هذا السياق، تحالفات غريبة عجيبة تجمع معاً القوات اللبنانية وكل مسيحيي 14 آذار إلى جانب وليد جنبلاط وحتى الرئيس نبيه بري، وصولاً إلى النواب السنة المستقلين و«التغييريين». وكل هؤلاء يتقاطعون عند هدف واحد اسمه: أن يخرج الرئيس ميشال عون من الحكم مهشّماً بصورة كبيرة، وتحميل حزب الله مسؤولية مزيد من التدهور في الجانبين الاقتصادي والاجتماعي. وهذا ما يجعل الحديث عن الحكومة الجديدة أشبه بنقاش بيزنطي، إذ لا تواصل فعلياً بين الأطراف المعنية بتشكيل الحكومة.
وبحسب المعطيات لدى جهات لبنانية عدة، فإن السعودية لا تريد التورط في أي تفصيل يخص الملف اللبناني حالياً. وهي تفضّل ترك الأمور على حالها حتى ولو أدى ذلك إلى مزيد من التدهور، وتعتبر أن على القوى اللبنانية اتخاذ خطوات كبيرة في الجانب السياسي بما يتيح «تقليم أظافر» حزب الله وإبعاد حلفائه عنه، مقابل الحصول على دعم مالي يحتاجه لبنان لمواجهة الأزمة. وتتصرف السعودية على أنها خسرت الانتخابات النيابية، لكنها ربحت كتلة قادرة على تعطيل الحياة الدستورية. وأن من معها قادرون على منع تشكيل حكومة جامعة، أو على محاصرة أي حكومة جديدة، خصوصاً بعد الانضمام العلني - الطوعي أو الاضطراري - لجنبلاط إلى هذا المحور، لا سيما أن الحديث عن قرار النائب تيمور جنبلاط عدم المشاركة في الحكومة ورفض الاستمرار في الحكومة الحالية يشير إلى رغبة في عزل الحكومة من قبل مكوّنات سياسية وطائفية بما يعيق عملها.
وفي هذا السياق، فإن القطيعة القائمة بين الرئيس المكلف نجيب ميقاتي من جهة وبين الرئيس عون والنائب باسيل من جهة ثانية، تعدّ الإشارة الأبرز إلى صعوبة التفاوض على قيام حكومة جديدة. ويبدو أن ميقاتي يريد وضعية جديدة يقلص فيها دور عون وباسيل على صعيد الخطط المركزية التي تتعلق بالكهرباء والتفاوض مع صندوق النقد الدولي وحتى التعيينات الإدارية في المؤسسات العامة. وهو يتوافق، هنا، مع بري وجنبلاط والآخرين على عدم منح عون أي عناصر قوة يستفيد منها التيار بعد مغادرته القصر الجمهوري. مع ذلك، يجد ميقاتي أن فكرة التعديل الوزاري - بحسب نظرته هو - تساعده على تنظيم العمل الوزاري بطريقة تتيح له تحقيق برامج لم يقم بها في الفترة السابقة. وهو يريد أن يحصر مواجهته مع باسيل من دون أن يقترب من حزب الله بل يسعى إلى مهادنة الحزب بطرق مختلفة. كما يسعى مع الرئيس بري لتنظيم العلاقة مع جنبلاط، وباشر التواصل مع البطريرك الماروني لاحتواء أي هجوم يمكن أن يتعرض له بحجة تصويت غالبية النواب المسيحيين ضده. وقد تبين أن البطريرك بشارة الراعي أيده في جانب من الأمر عندما أعرب عن انزعاجه من عدم تسمية غالبية النواب المسيحيين لرئيس يكلف بتشكيل الحكومة.
لا تواصل بين الأطراف السياسية عشية الاستشارات النيابية


وعشية الاستشارات غير المُلزمة التي يبدأها الرئيس المكلف اليوم في مجلس النواب، لم تُسجّل أي اتصالات سياسية يُبنى عليها، باستثناء تأكيد الأخير أمام بعض القوى السياسية التي تحدث إليها أنه مُصرّ على التشكيل قريباً. إلا أن فكرة التعديل الوزاري الذي بدأ ميقاتي يسوّق له منذ ما قبلَ استقالة الحكومة وتحولها إلى حكومة تصريف أعمال، لا يزال أحد الخيارات الرئيسية التي يتحدث عنها. وقالت مصادر قريبة إنه «يسعى إلى اختيار وزراء أو وجوه جديدة في القطاعات الأساسية»، لافتة إلى أن «فكرة التعديل الوزاري لا تعني الإبقاء على الحكومة الحالية، لأن التعديل دستورياً يجري على الحكومة القائمة، إلا أن الحديث عن تعديل يعني تأليف حكومة جديدة تكون هي نفسها الحكومة الحالية مع تغيير بعض الأسماء بالتشاور مع القوى السياسية من أجل توفير الوقت». وتطرقت المصادر إلى عدد من الوجوه الوزارية التي سيطاولها التغيير في حال وافقت القوى المعنية، منها من طلب إعفاءه من المهمة مثل الوزيرة نجلا رياشي التي تتحضر لمغادرة البلاد، ووزير الخارجية عبدلله بو حبيب. ومنها من يريد ميقاتي تغييرها وعلى رأسها وزير الطاقة وليد فياض، لأنه يريد وزيراً يوافق على خطة الكهرباء من دون أن تكون لديه ملاحظات أو مطالب. كما أن الحديث عن التغيير يطاول وزراء الداخلية والاقتصاد والمهجرين.