الغضب والتحدّي. كلمتان تصفان حال موظفي القطاع العام مع مطلع الأسبوع الثالث من الإضراب الذي أطلقته رابطة موظفي الإدارة العامة. وعند سؤالهم عن رواتبهم لهذا الشهر، الجواب واحد: التحية والتقدير لموظفي مديرية الصرفيات في وزارة المالية على إضرابهم وانقطاعهم الكامل عن الدوام. برأيهم، اللوم لا يقع على هؤلاء، بل على الدولة التي تطلب التضحيات من الجميع من دون اعتراف بأصل الأزمة. موظفو القطاع العام يعتبرون أنفسهم خارج كلّ تهديد، «ليس لدينا شيء لنخسره» يقولون. ومن لا يملك شيئاً بماذا تهدّده؟الدولة، «أمّ الصبي»، تتعامل مع التحرّك حتى الآن بنكد، ومحاولات مفضوحة لتشتيت الموظفين و»فرط الإضراب» من الداخل، إن عبر الترغيب والقول إنّ الأمور تسير نحو الحلحلة وبالتالي لا داعيَ للاستمرار في التعطيل، أو عبر الترهيب وتحميل المسؤوليات ولصق كلّ المشكلات وتراكم الملفات، الحسّاسة والعادية، بالموظف المتوقف عن العمل. ولكن لا أحد يسأل عن كيفية وصول هذا الموظف إلى مركز عمله. أيّ قانون في الكون كلّه يطلب من موظف أن ينفق على وظيفته. الرئيس ميقاتي طلب في إحدى المناسبات أن «يتحمّل بعضُنا بعضاً»، يردّ عليه موظف في المالية: «تحمّلنا قلّة مسؤوليتكم سنتين، دعونا نصرخ من وجعنا فقط».

الإضراب يتوسّع
«هذه المرّة الأولى التي تُقفل فيها أقسام بكاملها في وزارة الداخلية» يقول موظف هناك، الإضراب عطّل إمكانية استصدار إخراجات القيد من دوائر النفوس. يضيف: «حتى الدائرة اللصيقة بالوزير من بريد ومديرية مشتركة، الدوام فيها ليوم واحد فقط وبعدد غير مكتمل». والأمر ذاته يتكرّر في مديرية الشؤون السياسية ومديرية الأحوال الشخصية.
عضو الهيئة الإدارية في رابطة موظفي القطاع العام إبراهيم نحّال يصف حال الإضراب بـ»التضامن العام بين الموظفين». ويضيف نحال: «الرابطة ثابتة على موقفها حتى تحقيق كلّ المطالب، ولا يمكن التراجع أبداً».

لا رواتب
هذا الالتزام يهدّد رواتب الموظفين، في سابقة لم تحصل حتى خلال الحرب الأهلية. كان معتمد القبض يعبر السواتر وخطوط التماس ويوصل الحقوق إلى أصحابها. أما اليوم وبحسب سير الأمور فلا يمكن الركون إلى بيانات التهدئة والتطمين، ذلك أن رحلة رواتب موظفي القطاع العام من مدنيين وعسكريين تمرّ بعدة مراحل، من الإدارة التي يتبع لها الموظف وصولاً إلى دوائر وزارة المالية. هناك تصل أولاً إلى مديرية الصرفيات ومن ثمّ إلى الخزينة. ويستغرق إنجازها في المديرية الأولى الوقت الأطول، من 13 إلى 15 يوماً. وبسبب التزام موظفي وزارة المالية بشكل عام ومديرية الصرفيات بشكل خاص بالإضراب الشامل لم يتم العمل حتى اليوم على إنجاز الرواتب.
مصادر في مديرية الصرفيات أفادت «الأخبار» بأنّها «ملتزمة أخلاقياً مع الموظفين بالعمل على صرف رواتبهم في أسرع وقت في حال الاستجابة للمطالب». وتوضح هذه المصادر أنّ الموظفين «لا يفاوضون على مستحقّات خاصة بهم وحدهم، فأقلّه يجب تأمين وقود كي يصلوا إلى أعمالهم. راتبنا لنا ولعوائلنا لا لصرفه والاستدانة فوقه كي نتمكّن من خدمة الوظيفة».

إعلان حالة طوارئ
وبحسب كلام النقابي محمد قاسم المتابع لدقائق الإضراب فـ»مبدئياً، لا رواتب آخر هذا الشهر. وكلّما تأخر حلّ مشكلة الإضراب ستتأخر الرواتب». ويرى المشكلة في «عدم تنفيذ التعهدات من قبل الحكومة»، ويستشهد بمشكلة موظفي مديريات وزارة المالية المطلوب منهم الحضور طوال أيام الدوام الرسمي لتنفيذ الأعمال المطلوبة، إذ طلبوا «تأمين ليترات بنزين كي يتمكنوا من الوصول إلى أعمالهم قبل انطلاق الإضراب، ولكن لم يجدوا آذاناً صاغية». ويضيف قاسم: «المطلوب اليوم إعلان حالة الطوارئ على مستوى القطاع العام لإنقاذه» منتقداً بشدة مبدأ «التسويات الإعلامية». وتساءل عن «الصفقات التي تعقدها الدولة مع أرباب العمل في القطاع الخاص بمباركة من يدّعي تمثيل الناس مثل الاتحاد العمالي العام». هذا الاتحاد رفع سقف المطالبة ببدل النقل اليومي إلى 150 ألف ليرة، ثمّ قبل بـ 95 ألف ليرة في المجلس الاقتصادي الاجتماعي من دون رأي للجنة المؤشر وهي المؤسسة المتخصّصة في حال القدرة الشرائية للأجور.
إذاً يمكن الاستنتاج أن لا رواتب آخر هذا الشهر إلّا في حال حدوث معجزة. وما يجب أن نقلق منه أكثر هو تعطّل الواردات أيضاً. لا شيء يدخل خزينة الدولة هذه الأيام مع الشلل العام الذي أوصلت الدولة القطاع العام إليه.

روابط متناثرة
سوداوية المشهد لم تدفع حتى اللحظة روابط القطاع العام كافة إلى الالتفاف، بعضها حول البعض الآخر. الامتحانات الرسمية مرّت أول من أمس بسلاسة، وستمرّ اليوم أيضاً وفي القادم من الأيام مع امتحانات الشهادة الثانوية، مرفقة بالوعود كما فعلت وزارة التربية أخيراً، حين وعدت بدفع 18 دولاراً عن كلّ يوم مراقبة، بالإضافة إلى البدل الرسمي، من دون أي تأكيد. الروابط اليوم لا تتحرك ولا تساند التحرّك بالتحرّك، أو حتى ببيان. مصادر داخل الهيئة الإدارية لرابطة أساتذة التعليم الثانوي أفادت «الأخبار» بأن لا اجتماعات تمّت خلال الأسبوعين الماضيين، وفي هذا الأمر تضييع للفرص وعدم استشراف للمستقبل»، متسائلة: «ماذا سيقولون للأساتذة في نهاية هذا الأسبوع، عندما يكتشفون أن لا رواتب صُرفت وأوراق الضغط تتساقط تباعاً مع انتهاء الامتحانات الرسمية؟».


بدلات الانتخابات توفّرت... فكيف تُسدّد؟
بعد مرور أكثر من شهر ونصف شهر على إنجاز الاستحقاق الانتخابي، لم تُصرف ليرة واحدة لرؤساء الأقلام والكتبة من الموظفين حتى السّاعة. كما لم يتلقَّ الموظفون أيّ تبرير من وزارتي المالية أو الداخلية، يوضح الأسباب الكامنة خلف كلّ هذا التأخير. لا شيء باستثناء الوعود والرسائل الصوتية عبر «الواتسآب» التي تعد بالدفع «إذا مش الإثنين الخميس».
مديرية الصرفيات ملتزمة بصرف رواتب الموظفين في حال الاستجابة للمطالب


ومع تردّد معلومات عن توفّر الأموال المرصودة للموظفين، لكن في غياب آلية الدفع، بدأت المبادرات تنطلق من المناطق لتأمين وصولها إلى مستحقّيها. وفي هذا الإطار، برزت مبادرة مدير ثانوية كفرا الأستاذ فؤاد إبراهيم، الذي نسّق بين محتسبية قضاء بنت جبيل وبين مديرية الخزينة في بيروت، كي يحضر عدد من الموظفين المتطوّعين (من مالية القضاء في بنت جبيل)، اليوم الإثنين، الأموال المخصّصة للموظفين في قضاء بنت جبيل، على أن يتم تسليمها في سراي القضاء، عبر رئيس المؤسسة (لتخفيف الزحمة) ليقوم بتسليمها لاحقاً المستحقّين في دائرته. حتى الإيصالات الموجودة في سراي صور ستحضرها المحتسبية لتخفيف عناء النقل عن كاهل الموظفين. وهناك كلام عن إمكانية تعميم هذه التجربة على بقية الأقضية لإتمام هذا الملف بعد عجز وزارتي الداخلية والمالية عن وضع آلية لتأمين دفع المستحقّات لأصحابها في الوقت المناسب. ويُذكر أنّ الدفع في قضاء بنت جبيل سيبدأ يوم غدٍ الثلاثاء.