«البرود» في لبنان رفاهية يصعب الحصول عليها. ففي حال توافرت التغذية بالتيار الكهربائي صارت كلفتها «تكوي»، وهو أمر يحاول تجنّبه أولئك الذين قرّروا الانتقال من التغذية بالكهرباء من مولّدات الأحياء إلى أنظمة الطاقة الشمسية المسدّدة بالدولار النقدي، لكن حالهم قد لا تكون أفضل بكثير، كون الأمر يتوقف على كلفة أنظمة الطاقة الشمسية القادرة على تشغيل المكيفات نهاراً وعلى قدرة شراء قدرة تخزينية تتحمّل تشغيلها ليلاً.كل المؤشرات تشير إلى أننا مقبلون على أزمة كهرباء حادّة في فصل الصيف. كمية الفيول العراقي شارفت على النضوب. أما عملية استجرار الغاز والكهرباء من مصر والأردن فهي لم تُنجز بعد رغم كل العمل الجاري عليها، إذ بات هذا الملف مرتبطاً إلى حدّ كبير بملف ترسيم الحدود البحرية والضغوط التي تُمارس على لبنان في هذا المجال. وما فاقم من حدّة الأزمة، ارتفاع أسعار المحروقات الناجم عن تداعيات الحرب الروسية – الأوكرانية، ما انعكس زيادة حادّة في فاتورة المولدات واضطرار أعداد متزايدة من المشتركين إلى إلغاء اشتراكاتهم.
في ظل هذه المعطيات قد يكون الحديث عن كلفة « التكييف» أو «البرود» ضرباً من ضروب الرفاهية القصوى. بل هو ترف يمكن الاستغناء عنه إذا قورن بالحاجات الأساسية التي يجهد اللبنانيون لتوفيرها من غذاء ومحروقات وكلفة طبابة واستشفاء ونفقات تعليم. لكن هل يتم تحديد معايير الرفاهية قياساً على الدخل الفردي في بلد اعتاد المقيمون فيه على ثبات سعر الصرف والاستهلاك بلا توقف؟
يُعدّ المكيّف من أكثر الأدوات الكهربائية استهلاكاً للطاقة. «يستهلك مكيّف صغير بقوة BTU 9000 ما بين 2 أمبير و5 أمبير تبعاً لمستوى صناعة المكيّف. المكيّفات القديمة تستهلك طاقة أكبر، مقارنةً بالمكيّفات الحديثة المزوّدة بنظام Inverter والتي لا تستهلك أكثر من 2 أمبير. والمكيّف يستهلك القسم الأكبر من الطاقة حتى يصل إلى الحرارة المطلوبة. أما الوقت اللازم ليصل فيه المكيّف إلى درجة الحرارة المطلوبة، فمرتبط بعدّة عوامل منها حجم الغرفة ودرجة حرارتها ودرجة الحرارة في الخارج» بحسب يوسف عقيقي المتخصّص في تركيب المكيفات. لذا، في ظل الانقطاع الدائم للكهرباء، واعتماد غالبية المواطنين على المولدات فإن مكيّفاً واحداً كفيل باستنزاف أغلب أو كامل قدرة عداد سعة 5 أمبير، ما قد لا يُبقي لباقي احتياجات المنزل إلا أقل من أمبير أو حتى ولا أمبيراً واحداً. هذا الواقع سينعكس على غالبية المشتركين في المولدات الذين يعتمدون على عدّادات 5 أمبير، ولا سيما بعدما اضطر الكثيرون منهم إلى تقليص قدرة العدّاد وباتوا يعتمدون 3 أمبير فقط لتأمين الحدّ الأدنى من الإنارة في المنزل بهدف تقليص فاتورة المولّد الباهظة.
حسابياً تبلغ الطاقة القصوى التي يمكن أن يمرّرها ديجونكتير بقدرة 5 أمبير، نحو 1 كيلواط في الساعة. وإذا فرضنا وجود إمكانية لتشغيل مكيّف صغير لمدة 8 ساعات يومياً على المولد (ما عدا ساعات ما بعد نصف الليل الخاضعة لتقنين أصحاب المولدات) فإن الكلفة الشهرية للمكيّف بناءً على تسعيرة وزارة الطاقة للنصف الثاني من شهر أيار (12586 ليرة لبنانية عن كل كيلواط ساعة) ستصل إلى 3 ملايين ليرة (8x 30 x 12586) من دون احتساب رسم العدّاد الشهري، وذلك للمشتركين بالعدّادات على ارتفاع أقل من 700 متر. أما للقاطنين على ارتفاع أعلى من 700 متر فقد تصل كلفة تشغيل المكيّف إلى نحو 3 ملايين و320 ألف ليرة من دون رسم العدّاد (تبلغ كلفة الكيلواط لمن يقطنون على هذا الارتفاع 13825 ليرة لبنانية). أما للمشتركين الذين يملكون عدّادات أكبر فالأمر يعني حكماً مضاعفة سعر الفاتورة تقريباً، كون المكيّف الصغير وحده يستهلك نصف الطاقة في حالة الـ 10 أمبير.
لكن ماذا عن الطاقة الشمسيّة التي باتت تُعد الخيار الأمثل للبنانيين القادرين على تحمل كلفتها، وهل تكفي لتغطية احتياجات المنزل الأساسية وتشغيل المكيّفات في الوقت عينه؟
يوضح بسام كرم، مدير برنامج Smart Power لتركيب الطاقة الشمسيّة أن «إنتاج الطاقة الشمسيّة يجب أن يلبّي حاجتين أساسيتين: تلبية الاستهلاك المطلوب في أوقات انقطاع الكهرباء، وتخزين فائض الطاقة المنتج لتعبئة البطاريات للاستفادة منها خلال ساعات الليل. فإذا كان حجم النظام المستخدم كافياً لتلبية الاحتياجات الأساسية يمكن استخدام المكيّف خلال النهار، لكنّ المشكلة تكمن في ساعات الليل وأوقات النوم مع تقنين المولدات بعد منتصف الليل، كون المكيّفات تُعد عدواً مطلقاً للبطاريات التي ستتعب في النهاية وبسرعة أكبر سواء أكانت Lead Acid أم Lithium».
قد تصل كلفة المكيّف الصغير على كهرباء المولّد إلى 3 ملايين ليرة شهرياً


ويلفت إلى أن «نظام طاقة شمسيّة بقدرة 5 أمبير يكفي لتلبية احتياجات المنزل الأساسية من الطاقة، لكن من دون مكيّف حتى خلال ساعات النهار. فالمكيّف الصغير بقوةBTU 9000 يستهلك وحده ما بين 4 إلى 5 أمبير، ومن ثم تشغيل مكيّف بهذه القوّة إضافة إلى احتياجات المنزل الأساسية التي تستهلك وحدها ما بين 2 إلى 3 أمبير كل ذلك يتطلب حكماً نظاماً شمسياً بقدرة 10 أمبير. علماً بأن نظاماً بهذا الحجم لا يُبقي فائض طاقة للتخزين ليلاً ويسمح بتشغيل المكيّف خلال النهار فقط».
وفي ما يختص بعمل البطاريات ونوعها وإن كانت تسمح بتشغيل المكيّف خلال الليل في حال كانت من نوع الـ Lithium الأكثر تطوراً، يشرح كرم أن «بطارية الـ Lithium بحجمها الاعتيادي تؤمّن 7.5 كيلواط، لكن مقدار الطاقة الذي يمكن استخدامه منها لا يجب أن يتعدى نسبة 80% أو ما يوازي 6 كيلواط. وبالتالي وفي حال عدم استخدام المكيف، يمكن أن تؤمن من 10 إلى 12 ساعة تغذية خلال الليل. أما في حال استخدام مكيّف صغير ليلاً غير مزوّد بنظام Inverter (رغم أنه من الأفضل عدم استخدام المكيّفات ليلاً من خلال الطاقة المخزّنة في البطاريات) فإن ساعات التغذية التي ستوفّرها البطارية لن تزيد على 5 ساعات قبل أن تفرغ، ما يعني عملياً، لمن يرغبون باستخدام المكيّف ليلاً، أنهم سيضطرون لشراء بطارية إضافية مع ما سيستتبعه ذلك من ضرورة لتكبير النظام وزيادة عدد اللوحات لتعبئة البطارية». وعن كلفة نظام طاقة شمسية بقدرة 10 أمبير يقول كرم إن «سعره يُقدر بنحو 5 آلاف دولار نقداً».