بعد أسبوعين على إصداره بياناً يعيد فيه العمل بالسقف المفتوح لضخّ الدولارات في السوق، قرّر حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، أمس، تحديد سقوف متدنّية جداً لكل العمليات الجارية تطبيقاً للتعميم 161 المتعلق بشراء الليرات من الزبائن مقابل دولارات على سعر «صيرفة». فقد تبلّغت المصارف أن مصرف لبنان حدّد سقف العمليات الشهرية لكل فرد، بقيمة 500 دولار فقط، وأنه سيحدّد سقفاً لحجم عمليات كل مصرف أيضاً، وسيحدّد لاحقاً آلية بيع الدولارات للشركات والمستوردين.بهذا القرار، يكون مصرف لبنان قد أنهى العمل بالسقف المفتوح الذي اعتمده في سياق ضمان استقرار نسبي في سعر صرف الليرة، تاركاً هذا السعر مفتوحاً على مصير مجهول متّصل بمدى استيعاب السوق لهذه الخطوة وربطها بالتطوّرات السياسية المحلية والخارجية أيضاً. ثمة مراقبون يعتقدون أن القرار يهدف إلى ضبط عمليات المضاربة على العملة وحصرها بعمليات صغيرة للأفراد، لكنّ آخرين أوضحوا أن هؤلاء المضاربين هم صنيعة مصرف لبنان وحاكمه أصلاً، إذ لديهم صلات وثيقة بالحاكم وبمديرين يعملون في مصرف لبنان يتلقّون التعليمات والمعلومات. وبهذا المعنى، فإنه لا يمكن تجاهل الأسباب الفعلية لمسار سعر الصرف التصاعدي. فما اختلف بصدور التعميم 161 بسقفه المفتوح، هو السيطرة على وتيرة ارتفاع سعر صرف الدولار وحدّة تسارعها. وإذا تعامل السوق بإيجابية مع هذا القرار، فإن المفاعيل ستبطئ ما هو محتوم فقط، إذ إن الطلب الفعلي على الدولار والذي يكون ناجماً بشكل أساسي عن طلب تجاري، أكبر من وتيرة ضخّه.
على أيّ حال، يأتي هذا القرار في سياق أمور عدّة؛ أبرزها التحقيقات الجارية بشأن عمليات تبييض الأموال التي يشتبه فيها الحاكم، والتي استوجبت طلب المدعي العام التمييزي الادعاء عليه تزامناً مع استكمال القضاء الأوروبي تحقيقاته في القضية نفسها. ثمّة من يقول إن سلامة يتخذ خطوات دفاعية تجاه الادعاء عليه من خلال خطف سعر الصرف وجعله رهينة مقابل تحرّك القضاء اللبناني.
لكن هناك شبهة أخرى تتعلق بالصراع القائم حالياً حول رئاسة الحكومة. إذ يمكن تفسير خطوة سلامة، والتي يمكن أن تؤدي إلى ارتفاع سعر الدولار، بأنها عبارة عن ضغط يمارسه بالتنسيق مع رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، من أجل فرض شروط ميقاتي لتسميته رئيساً مكلّفاً للحكومة المقبلة.