كانت الساعة الواحدة ظهراً يوم الأحد 6 آب 1982، وكانت الطائرات الحربية الإسرائيلية تحوم في سماء العاصمة وكأنها ترصد هدفاً ما. لم تمرّ دقائق قليلة حتى سُمع صوت انفجار كبير في منطقة الصنائع، على بعد أمتار من مبنى وزارة الاعلام وكلية الحقوق في الجامعة اللبنانية. تبين لاحقاً ان الهدف كان بناية عكر المؤلفة من سبع طبقات، وقد دمرها العدو الإسرائيلي بالكامل. البناية كانت مكتظة بالأطفال والنساء والشيوخ، معظمهم كانوا قد هُجّروا من مخيمي الضبية وجسر الباشا خلال الحرب الاهلية. دمّر الإسرائيليون المبنى على قاطنيه فقتل أكثر من 250 مدنياً خلال ثوان. وبدا ان العدو الإسرائيلي لم يكتف بذلك بل اراد ان يوسّع اجرامه. ففي الخامسة بعد الظهر، وفيما كانت طواقم الإسعاف تنتشل الجثث من تحت أنقاض بناية عكر، انفجرت عبوة ناسفة في سيارة مفخخة كانت على مقربة منهم، أمام مدخل وزارتي الاعلام والسياحة، واستشهد 11 شخصاً لتبلغ حصيلة القتل الإسرائيلي 261 شخصاً خلال ساعات قليلة وفي وضح النهار. كانت هذه الجولة من مسلسل الاجرام المكثف قد بدأت في 4 حزيران 1982 واستمرت الى ما بعد مجزرة صبرا وشاتيلا في 16 أيلول 1982.
أظهرت قيود المستشفيات والمستوصفات والدفاع المدني أن عدد الذين استشهدوا وجرحوا منذ بداية الغزو الإسرائيلي للبنان في 4 حزيران 1982 وحتى نهاية شهر آب بلغ 17825 شهيداً و30103 جرحى توزعوا كالآتي:
• 2195 شهيداً و3081 جريحاً في صور وعدلون والبص والبرج الشمالي والرشيدية وقرى قضاء صور.
• 5376 شهيداً و8439 جريحاً في قضاء صيدا والمية ومية وعين الحلوة والرميلة والجية والسعديات والدلهمية وسبلين ووادي الزينة والدامور.
• 933 شهيداً و1578 جريحاً في الناعمة وحارة الناعمة وخلده والاوزاعي.
• 3806 شهداء و5966 جريحاً في الشوف وعاليه والبقاع الغربي.
• 5515 شهيداً و11139 جريحاً في بيروت والضاحية الجنوبية.
• وتبلغت أجهزة الأمن عن فقدان 237 شخصاً
لنستعد بعض أبرز الجرائم التي ارتكبت خلال هذه الفترة التي تعد محطة أساسية في تاريخ تكوين الجمهورية اللبنانية من خلال رمزية حصار العاصمة بيروت واحتلالها، وكون لبنان الدولة العربية الوحيدة التي تعرضت عاصمتها لهجوم عسكري بهذا الحجم.

حزيران: قتل من الجو والبحر والبر
غارات مكثفة للطيران الحربي الاسرائيلي وبشكل متتال على أحياء سكنية ومؤسسات صحية وتربوية مجاورة لمنشآت المدينة الرياضية وجامعة بيروت العربية وفي مناطق الفاكهاني وبئر حسن وبرج البراجنة وحي السلم والليلكي والبسطة والنويري وبرج ابي حيدر والكولا والروشة ومخيمي صبرا وشاتيلا ومطار بيروت الدولي ومحيطه وكورنيش المزرعة ورأس النبع مع مشاركة البوارج الإسرائيلية الموجودة قبالة الشاطئ اللبناني في القصف. ومنذ 18 حزيران، تكثف القصف من البوارج الحربية ومدفعية الميدان للأحياء السكنية في حي السلم وبرج البراجنة والرملة البيضاء والأوزاعي وطريق المطار ومحيطه وأطراف صبرا وشاتيلا ومنطقة بئر حسن. واستُهدف مستشفى غزة بعدة قذائف ما أدى الى استشهاد بعض المرضى والأطباء والممرضين. كما تعرض مبنى دار العجزة الإسلامية للقصف وأصيب عدد من المسنّين. وفي 22 حزيران، أغارت طائرات هليكوبتر حربية على محلة المنارة وقصفت الحمام العسكري التابع للجيش اللبناني حيث استشهد عدد من الجنود وجرح آخرون.


وتركز القصف في 24 و25 حزيران على برج البراجنة ومحيط المطار والأوزاعي، كما قصفت الزوارق الإسرائيلية المنطقة الممتدة من عين المريسة حتى الجناح مروراً بالرملة البيضاء والمنارة والروشة، وأغارت الطائرات الإسرائيلية على مناطق المزرعة وأبي شاكر والبسطة وقصقص والملعب البلدي ومحيط جامعة بيروت العربية وبئر حسن وشاتيلا، وألقت صواريخ من وزن ثقيل هدمت ثلاثة مبان في محلة أبي شاكر، وأشعلت حرائق في منازل وسيارات عدة. علماً ان سيارات الإطفاء كانت تعاني من نقص في المياه بسبب الحصار.

تموز: قطع المياه والكهرباء
أحكم العدو الإسرائيلي الطوق على بيروت وضاحيتها الجنوبية وقطعت قواته بوابات العبور بين المنطقتين الشرقية والغربية في غاليري سمعان والمتحف وفرن الشباك والمرفأ.
وضيّق جيش الاحتلال الحصار ليشمل المواد التموينية والصحية مع تصعيد عسكري بقصف مكثف على أحياء العاصمة والضاحية الجنوبية.
كما منع العدو الإسرائيلي في 8 وفي 16 تموز دخول شاحنات محملة بالطحين والمحروقات والخضار والمواد الغذائية الأخرى الى بيروت، ومنع مرور قافلة محملة بالأدوية ترفع علم الصليب الأحمر. واستمر قطع مياه الشرب. وفي 9 تموز توسعت دائرة القصف الإسرائيلي لتطال فرن الشباك واليرزة والفياضية وعين الرمانة والحازمية والحدث وبعبدا.
وقد يكون يوم 11 تموز الأعنف منذ بدء الحرب العربية الإسرائيلية الخامسة حيث تساقطت القذائف بمعدل ثلاثين قذيفة في الدقيقة على مدى 18 ساعة متواصلة. واستخدم العدو في قصفه البري والبحري مختلف أنواع القذائف العنقودية والانشطارية والفوسفورية. وأدى تساقط القذائف إلى اصابة المستشفى الحكومي في بعبدا ومستشفى البربير ومستشفى عكا ودار الأيتام الإسلامية ما أدى إلى استشهاد أكثر من 75 قتيلاً و180 جريحاً.
يذكر ان عدد الشهداء ليس دقیقاً لأن بعضهم دفنوا في قبور جماعية لتعذّر نقلهم إلى برادات المستشفيات، أو بسبب تقطع جثثهم أشلاء مبعثرة، وبعضهم لم يعثر على جثثهم بين ركام الأبنية


صعّد العدو في 27 تموز عمليته العسكرية جواً وبحراً وبراً، فتعرضت منطقة الروشة المكتظة بالسكان لغارات جوية متتالية وقضف بحري عشوائي أدى إلى تدمير مبنيين على من فيهما واصابة عشرات الأبنية المأهولة.
وفي 29 تموز منع الجيش الاسرائيلي إدخال ثماني شاحنات محملة بالطحين وأبلغت اللجنة الدولية للصليب الأحمر المشرفة على نقل هذه المادة قرار المنع. وأحرق جيش العدو ثلاث شاحنات محملة خضاراً وفاكهة كانت تحاول الدخول الى بيروت من جهة حي السلم.

آب: أطنان من الحديد والنار
يوم الاول من آب 1982 يعرف بالأحد الأسود: 185 ألف قذيفة سقطت على بيروت والضاحية الجنوبية (26 ألف طن متفجرات) وأصابت آلاف الأبنية السكنية ما أدى الى عدد كبير من الضحايا. كما نفذّت الطائرات الحربية الإسرائيلية نحو 210 غارات على أحياء عدة بمعدل غارة كل ثلاث دقائق على مدى 15 ساعة متواصلة، وشاركت في القصف البوارج البحرية الحربية والدبابات الثقيلة.
وفي 12 آب شهدت بيروت وضاحيتها الجنوبية 11 ساعة من القصف المتواصل براً وبحراً وجواً ما أدى إلى سقوط عدد كبير من الضحايا انتُشل بعضهم من تحت المباني المدمرة في الرادوف في الضاحية الجنوبية. وذكر ان الطائرات الإسرائيلية التي شنت 200 غارة ألقت أكثر من 1500 قذيفة من عيار 500 رطل و350 رطلاً فضلاً عن 12 ألف قذيفة من البحر و30 ألف قذيفة من الدبابات والمدفعية الأرضية في يوم واحد.
يُذكر أن منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) وثقت بين 4 حزيران و15 آب 1982، استشهاد 29506 شخص 80٪ منهم مدنيون.

* ستخصص القوس عدداً خاصاً لمجزرة صبرا وشاتيلا في شهر أيلول المقبل



الحروب العربية الاسرائيلية
■ الحرب الاولى 1948
■ الحرب الثانية 1956
■ الحرب الثالثة 1967
■ الحرب الرابعة 1973
■ الحرب الخامسة 1982
■ الحرب السادسة 1996
■ الحرب السابعة 2006
■ الحروب المستمرة بحق الشعب الفلسطيني في الضفة وغزة والداخل الفلسطيني.
خلال هذه الحروب ارتكب العدو جرائم ضد الانسانية وجرائم حرب من خلال الاعتداء على المدنيين والطواقم الطبية والمستشفيات واستخدام أسلحة محرمة دولياً ومصادرة الاملاك والاراضي ومحاولة ابادة الشعب الفلسطيني