لم تظهر الدولة أكثر استخفافاً بمصالح اللبنانيين أكثر من أيام الأزمة. فهي إن لم يكن بمقدورها منح أصحاب الرساميل أفضلية الوصول إلى المال العام واقتناصه، وأفضلية فرص تحقيق الأرباح، تقوم بالحدّ الأدنى وتتكاتف معهم ضدّ المستهلك. بهذه الخلفية قرّر وزير السياحة وليد نصّار، أن ينصاع لأوامر أصحاب المطاعم والفنادق وسائر المؤسسات والرساميل السياحية، وأن يبيح لهم إصدار الفاتورة بالدولار النقدي. بمعنى أوضح، هي قرّرت أن تخفف من مخاطرهم وتنقل كل المخاطر على المستهلكين الذين سيدفعون بالدولار النقدي أو ما يعادله بالليرة اللبنانية على سعر السوق. أما من يحدّد سعر السوق، فهي قصّة أخرى.فقد صدر عن وزارة السياحة أمس تعميماً قضى بالسماح وبشكل «استثنائي واختياري» للمؤسّسات السياحية كافة في لبنان، بإعلان لوائح أسعارها بالدولار الأميركي، على أن تصدر الفاتورة النهائية مسعّرة بالليرة اللبنانيّة والدولار الأميركي، وذلك اعتباراً من تاريخ نشر التعميم لغاية نهاية أيلول المقبل. مبرّرات القرار أعادتها الوزارة إلى «الظروف الاستثنائية التي تمر بها البلاد، وخصوصاً لناحية تقلب سعر صرف الدولار مقابل الليرة اللبنانيّة وتمكيناً لحسن مراقبة ومقارنة الأسعار».
لماذا لم يصدر تعميم كهذا سابقاً؟ وهل في التعميم إقرار بأن الفترات السابقة شهدت تفلّتاً في الأسعار وصعوبة في المراقبة؟ مبررات رئيس نقابة أصحاب الفنادق بيار الأشقر ردّاً على هذه الأسئلة بأن «وزير السياحة السابق لم يوافق، فيما تحجّج البعض بأن الدستور والقوانين تمنع اتخاذ قرار مماثل. قصدنا رئيس الحكومة وعرضنا مطالبنا وتم الاتفاق بأن يبت الموضوع بقرار من وزير السياحة».
ويرى الأمين العام لاتحاد النقابات السياحية جان بيروتي أن «هذا التعميم هو الحلّ الوحيد والأمثل في ظلّ تقلّب سعر صرف الدولار، إضافة إلى كون كافة مصاريف ونفقات المؤسسات السياحية هي بالدولار ما عدا رواتب الموظفين التي تقسم بين الليرة والدولار. ففي حال غياب القدرة على ضبط سعر الصرف، فالأجدى هو خلق ثبات في التسعير، وهو الخيار الذي اعتمدته دول عدة مرت بأزمات مشابهة لتلك التي يعاني منها لبنان ومنها الأرجنتين».
عملياً، هذا التعميم الذي يروّج له أصحاب الرساميل السياحية، بأنه سيمنع الغشّ والتلاعب بالفواتير، لا يعالج سوى مشكلة الشركات المطعمية والفندقية وينقل مخاطر الاستثمار الذي يفترض أن تتحمّله في أيام العزّ كما في أيام «الزفت»، إلى فاتورة الزبون. فتصبح المعادلة أن الزبون بتحمّل المخاطر المرتفعة، وهي لا تتحمّل أي مخاطر. أصلاً من الذي يحدّد سعر الدولار النقدي، ومن يضمن التزام المطاعم والفنادق بالأسعار المحدّدة.
الفاتورة ستصدر بالدولار النقدي من دون وجود مرجعية لتحديد سعر الصرف

إذ ليست هناك مرجعية واضحة لتحديد هذا السعر، ولا لتحديد تقلباته اليومية. أصلاً هذا النوع من التسعير لا يضمن الغشّ، بل يثير أطماع أصحاب الرساميل، وهم يشتهرون بها، للحصول على مزيد من الدولارات. رغم ذلك، يعتبر طوني الرامي، نقيب أصحاب المطاعم والمقاهي والملاهي والباتيسري أن «الفاتورة على الزبون لن تتبدل لا بل ستكون أوضح وأكثر شفافية. فالقطاع السياحي لا يزال مدولراً بنسبة 60%، والنرجيلة التي كانت تسعر بـ10 دولار على سبيل المثال أصبح سعرها بين 4 و 5 دولارات. بالتالي فإن مداخيلنا لا تزال هي نفسها، والزبون يدفع دولارات أقل لكن وفقاً لسعر الصرف».
ما يقوله الرامي يمكن عكسه بالنسبة لغالبية المقيمين في لبنان الذين ما زالوا يحصلون على مداخيلهم بالليرة: من كان يدفع 10 دولار أيام سعر الصرف البالغ 1507.5 ليرات، فكان يدفع 15 ألف ليرة، واليوم سيدفع ثمن النرجيلة 4 دولارات على سعر حدّه الأدنى 27500 ليرة أي ما قيمته 110 آلاف ليرة.
إذاً، إلى جانب من يقف وزير السياحة وليد نصّار؟ إلى جانب زملائه من أصحاب الرساميل ضدّ المستهلك. فليس هناك أي اعتبارات قانونية تبيح التسعير بعملة الدولار النقدي، إذ لم يتجرأ وزير التربية على الموافقة على تسعير الأقساط بالدولار وإن كان يعلم بأن المدارس والجامعات تستوفي أقساطاً بالدولار النقدي. لكن وزير السياحة فعلها.
يبقى السؤال هل يكون هذا التعميم مقدمة لتعميم مماثل باعتماد الدولار للتسعير في السوبرماركات؟