لم تكد تمر ساعات على «نكسة» خصوم المقاومة في مجلس النواب، في الجولة الأولى من إعادة تكوين المطبخ التشريعي بانتخاب رئيس للمجلس ونائب رئيس وأعضاء هيئة مكتب المجلس، حتى خرج رئيس الحزب الاشتراكي وليد جنبلاط مُقرّاً بالهزيمة التي شارك فيها، مطلِقاً «صفارات الإنذار»، وداعياً إلى «صوغ برنامج مشترك يتجاوز التناقضات الثانوية من أجل مواجهة جبهة 8 آذار السورية - الإيرانية التي ستنتقم لهزيمتها في الانتخابات بكل الوسائل ولن ترحم أحداً».وبحسب معلومات، فإن جنبلاط يعمل على مزيد من التنسيق مع «الحلفاء» استعداداً للتحديات المقبلة، وأولها تشكيل اللجان النيابية (الثلاثاء المقبل)، ثم تكليف شخصية لتشكيل الحكومة التي سيقع على عاتقها إدارة مرحلة الشغور الرئاسي في حال عدم انتخاب رئيس للجمهورية خلفاً للرئيس ميشال عون. وهو يسعى إلى استعادة التوازن بعدما أدّى تشظّي قوى «الاعتراض» إلى تسليم مفاتيح مجلس النواب إلى الفريق الآخر. فيما تفيد المعلومات بأن القوات اللبنانية، التي خرجت خاسراً أوّلَ من جلسة أول من أمس، بدأت سريعاً البحث في وضع تصوّر لكيفية إدارة المعركة في جولتها الثانية، وباشرت اتصالات مع قوى «التغيير» لتركيب تحالفات تتيح للطرفين الظفر باللجان النيابية «الدسمة».
أما قوى «التغيير» فلا تزال تلملم تشظّياتها، إذ إن الوئام الذي ظهر على نوابها خلال جلسة الثلاثاء لا يعكس حقيقة مشهدها المأزوم بفعل غياب الرؤية الموحدة وتضارب الخيارات. صحيح أن هؤلاء، غالباً، لا تجربة سياسية عميقة لديهم، وبالتالي لا يمكن حسم الموقف منهم أو الحكم عليهم من خلال تجربة واحدة، غير أن العشب بدأ ينمو سريعاً بينهم، وهو ما بدا من الجلسة الماراثونية لمجموعة النواب الـ 13 عشية استحقاق الثلاثاء. إذ كانت المنازلة حامية بين فريقين، الأول رأى أن دفة نائب رئيس المجلس تميل إلى النائب غسان سكاف، داعياً إلى استغلال ذلك لتوجيه ضربة إلى مرشح «المنظومة» عبر التنسيق مع قوى «الاعتراض» الأخرى كالقوات والكتائب. فيما رفض الطرف الآخر فتح «أبواب التنسيق» مع معراب من خارج آلية جماعية أو معايير واضحة، ورأى أن حصر الخيارات بين «مرشح المنظومة» و«مرشح مجهول»، يعني «حصرنا بخيارات تفرضها السلطة عملياً». وبعد ساعات طويلة من النقاش، امتدت حتى الفجر، رسا الأمر على رفض الاقتراع لسكاف، قبل أن يتغيّر هذا المزاج يوم الانتخاب، بعدما رأى بعضهم أن هناك إمكانية للتحول إلى بيضة قبان. نقاشات النواب التغييريين تخلّلتها اتّهامات بعضهم لبعض بفتح قنوات تنسيق جانبية مع القوات اللبنانية، وتحديداً للنائب مارك ضو الذي أعلن بعد انتخابه أن لا مشكلة في التنسيق مع القوات، والنائبة بولا يعقوبيان التي تتصرف كـ«قائدة» لـ«قوى التغيير».
الخلافات داخل المجموعة تنسحب على مقاربتها لاستحقاق تسمية رئيس الحكومة المقبلة. فحتى الآن، لا تفاهم بين النواب الأعضاء حول اسم الكتلة الذي سيشاركون تحته في الاستشارات النيابية غير الملزمة في قصر بعبدا. المعضلة هنا ليست في اشتراط رئاسة الجمهورية إيداعها اسم الكتلة وأسماء الأعضاء ليصار إلى توجيه دعوة رسمية لهم، إنما في الخلافات المستحكمة داخل مجموعة التغييريين حول الكتلة وهويتها السياسية ومن يرأسها، وهو ما يفترض أن تجيب عنه اجتماعات مفتوحة ستعقد في الأيام المقبلة. الخلاف على آلية التمثيل ينعكس خلافاً على آلية التنسيق مع قوى «المعارضة» الأخرى.