تشظّي أصوات «بيئة» تيّار المستقبل في أكثر من دائرة وعلى أكثر من مرشّح، في الانتخابات الأخيرة، كان انعكاساً لضياع أصابها بفعل الخيارات التي أُجبر الرئيس سعد الحريري على اتخاذها، وفي مقدمها تعليقه العمل السياسي. لكنّ الانتخابات النيابية، في ظل العزوف الحريري، كانت مناسبة لتظهير مواقع الخلل البنيوية في التيار الأزرق. فنسبة المشاركة في انتخابات بيروت (38%) كانت، على ضآلتها، دليلاً على عدم الالتزام التام لـ «البيارتة» بخيار زعيمهم، وكثرة المرشحين الزرق بيّنت هشاشة الالتزام الحزبي. وهذا كله، وفق أوساط في التيار، بات يستدعي «جردة حساب» تصل إلى حدّ «النفضة الشاملة»، وهو ما يبدو أن العمل جارٍ عليه تحت عنوان إعادة هيكلة التيار لمواكبة التغييرات والحد من تقلّبات المزاج الشعبي، ومع بروز أكثر من منافس «شرعي» من أبناء البيئة التقليديين.وبحسب المصادر، فإن هذا الأمر موضع بحث مكثّف مع الحريري، في مقرّ إقامته في أبو ظبي، ويفترض أن يظهر واضحاً في المؤتمر العام الـ16 لتيار المستقبل، الذي يجري الإعداد لعقده في بيروت أواخر الصيف ويُتوقع أن تتم الدعوة إليه في حزيران المقبل. ويتردد بقوة أن الحريري سيشارك شخصياً في المؤتمر الذي يحمل صفة «التأسيسي».
والثابت حتى الآن أن هذا المؤتمر ستسبقه خطوات «عقابية» ستبدأ من القاعدة، وتشمل كل من لم يلتزم بتعاميم التيار عشية الانتخابات بعدم المشاركة فيها وعدم استخدام اسم المستقبل في الترويج لأيّ من المرشحين، بالتزامن مع إجراءات تنظيمية لنقل السلطة تبدأ بحل كل الهيئات السياسية، بما فيها المكتب السياسي والفروع الحزبية. ووفق مصدر رسمي في «المستقبل»، سيكون ذلك مقدمة ليس لتجديد التيار فحسب، وإنما إطلاق «طبعة منقّحة مختلفة كلياً».
«لائحة العقوبات» الحريرية التي تردّد بداية أنها ستشمل كل من خالف تعاميم التيار بمقاطعة الانتخابات ترشيحاً واقتراعاً، يبدو أنها تخضع الآن لعملية تنقيح، مع الأخذ في الحسبان أن قرار الحريري بالعزوف كان صادماً وأثار حيرة لدى بعض المستقبليين في كيفية التعاطي معه، خصوصاً مسؤولي الصفوف الدنيا، ما يؤهّلهم للحصول على «عفو». أما في ما يتعلق بقياديي الصف الأول، كالنائب السابق مصطفى علوش، فلا يبدو أن «العفو» وارد، والأمر نفسه ينطبق على المتمرّدين ممن لا مَهام تنظيمية لهم في التيار كالرئيس فؤاد السنيورة، مثلاً. فيما يبقى وضع الأمين العام للتيار أحمد الحريري ملتبساً، بين من يرى أن أداءه بالتدخل في الانتخابات في أكثر من منطقة لدعم مرشحين معيّنين من تحت الطاولة، ألحق مزيداً من الأضرار بالمستقبل وزاد من ضياع مسؤوليه الذين حاروا بين التدخل في الانتخابات وعدمه. فيما يؤكد آخرون أن المؤتمر سيكرس نفوذ الأمين العام والمقربين منه، أولاً لأن تدخله كان بالتنسيق مع الرئيس الحريري كما يؤكد مطّلعون، وثانياً - والأهم - أنه لم يعد حول الحريري كثيرون ممن يمكن الوثوق بهم.