يتخبّط الطلاب، المقبلون على الحياة الجامعية والمنخرطون فيها، في ترتيب أولوياتهم. يشعرون بانعدام خياراتهم للجامعة التي سيتابعون مسيرتهم العلمية فيها. لا ثقة لديهم بقدرة الجامعة اللبنانية على الصمود، ولا قدرة لهم على تحمّل أقساط الجامعات الخاصة. أما خيار السّفر للتحصيل العلمي فغادر اللائحة حتماً، في ظلّ أزمة الدولارنسأل طلاب الجامعة اللبنانية عمّا «أجبرهم على المرّ»، فيتفقون على الجواب نفسه: «الأمرّ منه». لا يملكون ترف الخيارات في العام المقبل. سيتابعون دراستهم في جامعة الوطن «لأنّه لو كان خيار التعليم في جامعة خاصة مطروحاً في الأساس لما اخترت اللّبنانية»، على حدّ قول فرح، سنة أولى علوم حياة. عدم وقوعهم في حيرة اختيار الجامعة لا ينفي وجود مخاوف «كيف ستكون السنة الجامعية المقبلة؟ وهل سيكون هناك سنة جامعية أصلاً؟» وهذه المخاوف منطقية بالنسبة إلى طلاب عاشوا عاماً دراسياً مبتوراً ومرّروها بين إضرابات وتأجيل امتحانات إلى الصيف، ونفاد كراسات وشحّ حبر للطباعة...
«مرغمون» طلاب السنة الجامعية الثالثة على نيل الإجازة في لبنان لأنهم «جيل الإفادات في الشهادة الثانوية» الذين لا تعترف بنجاحهم الجامعات في الخارج. أما الجامعة اللبنانية «فأمر واقع أيضاً»، كما يقول كريم، سنة ثالثة معلوماتية. «همّه» أن يتخرّج منها ليسافر إلى كندا حيث ستساعده خالته في استكمال دراساته العليا. ولا يبدو راضياً على «سنوات دراسية عن بُعد، لم يدخل خلالها القاعات ويختبر الحياة الجامعية، ولا على تعليم إلكتروني في ظلّ انعدام القدرات المادية واللوجستية للمواكبة».

حلم السفر… ضاع
نسفت الأزمة الاقتصادية مخطّطات كثيرين. من بينهم آلاء، ابنة العسكري المتقاعد، التي خطّطت أن تسافر إلى فرنسا لتتابع الماجستير في الأدب العربي ومعها أختها الأكبر لتتابع الدكتوراه. لكنّ والدها أخذ تعويضه بالتقسيط وبدل أن «يحقق حلمه في تعليم بناته ينفقه على مصاريف حياتية كالأكل والشرب». لم تحوّل آلاء خيارها إلى الجامعة اللبنانية لأنها من جهة «لا تشجّع»، ومن جهة ثانية «صارت بعيدة عن متناولنا». كيف؟ «لست متأكدة من أنني سأتمكن من تكاليفها، رسوم وبدل النقل في حال كان التعليم حضورياً. أما إن كان التعليم عن بُعد، ففاتورتا اشتراك الكهرباء والإنترنت ستكونان العقبة». هكذا، قرّرت آلاء أن تتوجه إلى سوق العمل ريثما تتحسّن أوضاع البلد.

بانتظار المنح الدراسية
تبدو الصورة ضبابية أكثر حول مستقبل الطلاب في الجامعات الخاصة. فالبقاء يعني خنقهم مادياً والمغادرة تعني تضييع سنوات دراسية عليهم. باستثناء قلة من الميسورين الذين لا يشعرون برياح الأزمة، ينتظر معظم الطلاب صدور المنح الدراسية للعام المقبل. مصيرهم العلمي مرتبط بحجم الزيادة على المنحة التي تحدّد ما إن كانوا سيستمرون أو سيغادرون من دون أن يعرفوا وجهتهم. تنتظر ميسلون، سنة أولى صحافة في الجامعة اللبنانية الأميركية، إصدار الجامعة المنح في حزيران المقبل «لأعرف إن كنت سأتابع دراستي في الجامعة ذاتها أو تكون هذه السنة راحت سدى لأن نظام التدريس يختلف بين جامعة وأخرى». قسطها السنوي يبلغ 20 ألف دولار. تحسب «إن وصلت المنحة إلى 90%، وهذا مستحيل، سيترتب عليّ دفع ألفي دولار. يعني 70 مليون ليرة في السنة على سعر صرف 35». تلتقط أنفاسها. ثم تفترض أن تبلغ المنحة 70%. «عندها سأعمل في الجامعة مقابل حسم 10% وسأعمل بعد الظهر أكثر من عمل واحد». لكنها تستدرك: «العمل خارج الجامعة سيسدّد مصاريفي الشخصية وكلفة السكن الجامعي وبدل النقل إلى البقاع لزيارة عائلتي في نهاية كل أسبوع. أما احتمال العمل داخل الجامعة فضئيل نظراً إلى عدد الطلاب الذين سيتقدمون إليه مقابل محدودية الفرص». تختم الحديث وقد ملّت من هذه الدوّامة: «إذا كانت المنحة لا تكفي، سأغادر الجامعة لكن حتماً ليس إلى الجامعة اللبنانية».
ينتظر معظم الطلاب صدور المنح الدراسية للعام المقبل ليحدّدوا وجهتهم


هناك من يبحث عن أي طريقة لتسديد نفقات التعليم لأن «الشهادة هي الفرصة الوحيدة للهروب من الجحيم»، هكذا تفسر مريم، سنة ثانية تمريض في الجامعة العربية، إصرارها على التخرّج مهما بلغت الأقساط. بعد الحسم، يتوجب عليها تسديد 28 مليون ليرة في السنة بدل أرصدة، إلى جانب 1200دولار بدل رسوم تشغيلية عن ثلاثة فصول حتى التخرّج. «مشكلتي في الرسوم الدولارية، من أين آتي بـ400 دولار كل ثلاثة أشهر؟» تعمل مريم «كاشيير» مقابل مليون ونصف مليون في أحد المطاعم وتدير صفحاته في مواقع التواصل الاجتماعي، لكن «ذلك لا يكفي أبداً». طلبت من إدارة الجامعة تأجيل تسديد الرسوم التشغيلية أو قبول تعهّدها على الدفع بعد التخرّج، فرفضت». مع ذلك، «لو بدي إنحت في الصخر سوف أتخرّج».