لم يمكث السعودي عادل الشمّري في لبنان أكثر من يوم واحد. حضر نهار السبت الماضي وقرّر المغادرة في اليوم التالي. لم يرد «السائح» السعودي الهروب من انقطاع الكهرباء وتردي الخدمات السياحية، بل بدا واضحاً أنه جاء في «مهمة» محددة. تضييق الأجهزة الأمنية على المهربين في لبنان، خصوصاً بعد الاستثمار السياسي السعودي في ملف تهريب المخدرات والكبتاغون واتهام حزب الله بالوقوف وراءه وصولاً إلى وقف الاستيراد من لبنان بذريعة ذلك، دفع بـ«المستوردين» السعوديين إلى القيام بالمهمة بأنفسهم. فالسوق في السعودية نشطة، والطلب كبير، والأمر يستحق المجازفة.المفارقة أن المتهم تعامل بـ«أريحية» مع الأمر، مستنداً ربما إلى أن جنسيته السعودية تمنحه حصانة ومروراً سريعاً عبر الأجهزة الأمنية. إذ أن الـ 18 كيلوغراماً من حبوب الكبتاغون التي كانت في حقائب الشمري لم تكن موضّبة بطريقة احترافية، بل وُضعت في أكياس بين الثياب، ولاحظ عناصر الأمن وجود الأكياس فور تمرير الحقائب عبر جهاز السكانر. بعد مخابرة مدعي عام التمييز غسان عويدات أعطى إشارته بتوقيف المتهم الذي وُجدت في حوزته بطاقة انتساب إلى الشرطة الكويتية. فيما سارع المكتب الإعلامي لوزير الداخلية والبلديات في حكومة تصريف الأعمال بسام مولوي إلى إصدار بيان نفى فيه أن يكون الموقوف رجل أمن سعودياً، مشيراً إلى أنه من خلال التحقيقات الأولية «تبيّن أن الموقوف السعودي الجنسية مقيمٌ في الكويت وبحوزته أوراق أمنية كويتية». وأشار إلى أنّ مولوي تواصل مع الجهات الكويتية المختصة في إطار التنسيق ومواصلة التحقيقات.
بعد نقل الشمري إلى مكتب مكافحة المخدرات المركزي، وفي التحقيق معه، أنكر معرفته بكيفية وصول الحبوب المخدرة إلى حقيبته، وقال إن أحد أصدقائه خارج لبنان طلب منه إحضار حقيبة من منزل صديقة له عراقية الجنسية تُدعى «لارا»، وتُقيم في محلة أدونيس في جونية. فأعطى القضاء إشارة بإيقاف العراقية في شقتها حيث تقيم مع أطفالها. وأُوقف معها شقيقها وسيدة أردنية كانت معهما في الشقة ليُستأنف التحقيق مع كل الموقوفين لمعرفة مصدر الحبوب المخدرة. وفيما كان الموقوف السعودي مغادراً إلى الكويت، لم يُعرَف بعد ما إذا كانت وجهته النهائية الكويت أم السعودية التي وصفتها مجلة «فورين بوليسي»، في تقرير أخيراً، بأنها «عاصمة المخدرات في الشرق الأوسط»، مشيراً إلى أن عمليات مصادرة الكبتاغون أمست أمراً اعتيادياً في السعودية التي أصبحت سوقاً مربحة لتجار المخدرات بسبب الطلب الكبير عليها. ويشير تزايد إحباط عمليات التهريب إلى السعودية في السنوات الأخيرة إلى أن هناك تجاراً سعوديين وخليجيين على الطرف الآخر هم من يتسلمون «البضاعة» ويتولّون توزيعها. لكن اللافت أن الحكومة السعودية التي تصبّ جام غضبها على لبنان لدى اكتشاف كل عملية تهريب، لم تكشف يوماً عن أي من التجار الكبار المحليين، باستثناء من تعلن إعدامهم بتهمة الترويج من أبناء الجاليات الهندية والفيليبينية وغيرها. وتصر على استغلال الأمر في تصفية حسابات سياسية مع لبنان، وخصوصاً ضد حزب الله، بالتماهي مع اتهامات إسرائيلية وغربية للحزب بالتورط في تهريب المخدرات الجريمة المنظمة «واستثمار عائداتها لتمويل أنشطته الإرهابية». علماً أن توقيف الأمير السعودي عبد المحسن آل سعود («أمير الكبتاغون»)، في مطار بيروت عام 2015 أثناء محاولته تهريب طنين من حبوب الكبتاغون في طائرته الخاصة، مؤشر على الفئة التي ينتمي إليها المنخرطون في هذه التجارة في بلاد الحرمين الشريفين!