لم يعرف لبنان رئيساً للحكومة بهذا القدر من الخفّة ولا هذا المستوى الصفري من المسؤولية. وإذا ما استثنينا المدعو فؤاد عبد الباسط السنيورة الذي يعبّر في وجوده الخام عن الشواذ الإنساني السابق على شواذه السياسي والوطني والقومي والمؤسّس له... لا أحد يملك أن يجاري المدعو نجيب عزمي ميقاتي لأصحابه السابقين من رجالات العسكر السوري الذين تعاقبوا على رعاية وإدارة (وليس التصنيع لأن تربتنا اللبنانية أخصب من غيرها بأشواط) هذا النوع من «البضاعة» السياسية. ولو كان هناك بين «المرجعيات» الدولية المعنية بالتصنيفات القصوى من يماثل «غينيس» أو يعادلها عكسياً، لسبق صاحبنا، المذكور آنفاً، جميع أشباهه المحليين والدوليين، ولحظي بالموقع الأول في سلم التصنيفات السلبية.فالرجل الذي تمرّس في الطعن والغدر والوشاية وانتهاز «الفرص» وفبركة الأكاذيب وصنع الأضاليل وممارسة الخداع وغيرها من الضروب غير البعيدة عن المألوف السياسي والاجتماعي اللبناني، تجاوز «المعقول» الدولي. بل كرّس تفوقه على سائر المنافسين بأحرف من خديعة وكلمات من كذب وسطور من غدر. ولا ينازعه على موقعه المتقدم هذا إلا من تيسّرت له فرص الإعداد الرديء والتنشئة المختلّة أو الطوية الصدئة. وهؤلاء، على وفرتهم وسعة انتشارهم ومبلغ تأثيرهم، ليسوا بـ «البراعة» التي تيسّرت لهذا الرجل، أو خصّه الربّ بها. فهو يثبت يوماً بعد آخر أنه المتفوق الأول، والأقدر من غيره، وأنه من النوع الذي لا يشقّ له غبار.
ولعل اعتداده الظاهر بنفسه وبما يقوم به من ممارسات وسلوكيات مفضوحة، كاستماتته المباشرة (أو عبر موظفه الأمين المدعو نقولا نحاس وشريكه الأبرز إبراهيم كنعان) في الدفاع عن رفاقه من لصوص المصارف وناهبي المال العام، وغيرها من الأفعال المماثلة أو المتصلة، ناجم عن إدراكه لحاجة مشغّليه الإقليميين والدوليين لخدماته المدفوعة الأجر، فضلاً عن ثقته بمقدرته، اعتماداً على المرجعيات المذكورة، على دحر الحاسدين وتجاوز المنافسين. وبما أن الواقع هو فعلاً كذلك، بدليل تمكنه حتى اللحظة، برغم كل ما أصاب العالم، من مراكمة الثروة وتعزيزها، والحفاظ على خيوط الاتصال السياسي والتجاري، فلا خطر في الأفق، ولا خوف على الموقع، أو قل المواقع. فالرجل أشبه ما يكون بالأخطبوط. بل ويمكن الجزم بأن لواء الأوليّة على سائر الأقران، وحتى إشعار آخر، سيبقى معقوداً له.
وهنا، ومن باب الإنصاف المتأخر، ينبغي الاعتراف بأن رفيق الحريري، وبالرغم من كل ما صنعه من موبقات، وما أبدعه من فساد وإفساد، لم يصل برغم ما توفّر له من «مدد» صحراوي آسن، إلى ما وصله رجلنا الذي لا يملّ من المفاخرة بالحديث عن الوسطية والوسطيين، ناسباً لنفسه موقعاً أو دوراً لا فضل له فيه. بل أن هذه الوسطية التي يتشدّق بها ليل نهار ما هي إلا درعاً يتظلل به لتبرير انقلاباته أو لتزيين خواء سياساته. في حين أن الهدف الواضح من لغو الوسطية المملّ ينحصر في الهدف الأساس الذي لا يعلوه هدف، وينحصر بالحفاظ على المواقع الخاصة وتمرير المشاريع الشخصية لتعظيم الثروة الخيالية المقتنصة في غفلة عن القواعد والقوانين.
في هذه الغضون، سجّل بيان لـ «مرصد الصرف الصحي» اللبناني ارتفاعاً في منسوب القيء السياسي «السعودي» عبّر عنه الغلام المجهري المعروف باسم وليد البخاري. وقد حذّر المرصد في بيانه الذي تناقله الإعلام، من تأثيرات ذلك على الصحة العامة. وبحسب البيان فقد تمّ الإيعاز إلى المسؤولين عن شركة «رامكو» المكلفة بجمع نفايات العاصمة وكنسها إلى المسارعة في تولي مسؤولياتها وإرسال الفرق المختصة بعد تزويدها بالمبيدات الحشرية المناسبة للمباشرة في عزل المكان الموبوء المسمى تجاوزاً بـ «السفارة السعودية»، في حين أنه لا يعدو أن يكون وكراً للتجسّس الغبي على اللبنانيين وشراء ذممهم وتحريضهم على بعضهم البعض.
خلاصة القول: لا ينافس الميقاتي إلا... «البخاري»!