حرفياً، يملك كل لبنان حصة في تحرير الجنوب. أبرز الأسباب، جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية التي انضوى في رحابها قوى وطنية ويسارية وقومية، قادت شباناً وشابات من عكار العتيقة وكامد اللوز إلى صور، نحو آخر الوطن لاسترجاعه.«عندما عدت إلى بيتي في صيدا بعد تفجير العبوة بدورية للاحتلال الاسرائيلي في رامية الحدودية، استعدت ما حصل من دون أن أستوعبه». عام 1987، شارك سمير في عملية باسم «الحزب الديمقراطي الشعبي» ضمن الجبهة. الشاب الجامعي التقى في الميدان بفئات اجتماعية وثقافية مختلفة، التقت حول بديهية الموت من أجل تحرير الأرض. ربيع عامل الحدادة كان يعيل والدته، قبل أن ينتسب للحزب و ينخرط في «جمول». ربيع وسمير بدآ مقاتلين وانتهيا قائدين لدوريات عسكرية صالت وجالت خلف خطوط العدو في طول الجنوب وعرضه زارعة العبوات والألغام في طريق دورياته.

رفيقان من «جمول» شدّا رحالهما إلى جنوبي الجنوب، ومعهم عشرات الرفاق، تناوبوا على السير في الأودية وأدمنوا تنشّق العيزقان يعفّ ليلاً حين تمخره أرجلهم. كانوا مغامرين صغاراً حملوا صواريخ «الغراد» ونقلوا العبوات وزرعوا الألغام وأتقنوا العزف على الكلاشنكوف والـ«آر بي جي». صغاراً كانوا لكنهم نجحوا في مخاتلة دبابات الميركافا ومروحيات الكوبرا، حتى صاروا يسعدون لدى استماعهم نشرات الأخبار الليلية، فلقد صاروا من صُنّاع نشرة أخبار الوطن.
لكن كيف حققوا النصر؟ يلفت سمير إلى مشاركة «الديمقراطي الشعبي» في عشرات العمليات التي نفذت مع رفاق «الحزب الشيوعي اللبناني» و«الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين» و«التنظيم الشعبي الناصري» و«منظمة العمل الشيوعي». ويتذكر المرة الأولى التي طُلب إليه الاستعداد للمشاركة بعملية عسكرية. «فرحتُ وركضت لتحضير أغراضي متناسياً الخطر الذي يتهددني في الوديان والموت الذي ينتظرني في كمين أو لغم أرضي أو قذيفة ميركافا. لم أتصور ساعتها إلا أنني سأصير واحداً ممن يكتبون المستقبل ويصنعون التحرير». لم يكُن عسكرياً مخضرماً. لكن القناعة والحماسة عوضت نقص الخبرة. أشهرٌ قليلة جعلت من ابن تعمير عين الحلوة قائداً لدوريات عسكرية امتدّ ميدانها من جزين إلى السلوقي فحولا والحجير وصولاً إلى جارة فلسطين رامية. «كنا أربعة رفاق بدورية مشتركة وكنت أحمل قاذف الآر بي جي المحشو بقذيفة مضادة للأفراد. وصلنا إلى رامية بعد سبعة أيام من المسير الشاق. نسيت كل العذاب عندما شممت رائحة فلسطين. واكتملت السعادة عندما حدّدنا الهدف: دورية صهيونية راجلة خلف السياج الشائك داخل فلسطين المحتلة».
كان موقفا صعباً على ربيع عندما كُلف بقيادة دورية والتسلل خلف كفرفالوس بعد أيام قليلة على انفجار لغم برفيقه رشيد في المكان نفسه. الانفجار أدّى إلى بتر ساقه وانطفاء إحدى عينيه. «وصلنا إلى مكان انفجار اللغم برشيد، الشنط العسكرية مبعثرة في المكان وعلى مقربة عثرنا على مشط قدم رشيد المبتورة، حملتها باحترام ودفنتها تحت التراب وأخفينا الضمادات المدماة لمحو أي أثر».
حزن ربيع على رشيد قابله نشوة على مقتل أحد العملاء. «في شتاء عام 1989 فجّرنا عبوة ناسفة زنة 40 كيلوغراماً بكبير العملاء طوني نصار أثناء مروره ليلاً على طريق روم. استخدمنا فلاش الكاميرا لشحن جهاز التفجير. طارت سيارة العميل بمن فيها. رماها الرفيق رامي بقذيفة بي 7. تراجعنا حتى وصلنا إلى مغارة آمنة. هناك بشرنا عبر جهاز راديو جيب صغير، باعتراف العدو بمقتل العميل نصار وحراسه. احتفلنا في المغارة بحفلة شواء قطع المرتديلا التي شككناها بأسياخ الكلاشنكوف».