يبلغ طول الجدار الذي يفصل بين بلدتَي العديسة وكفركلا بالجليل كيلومترات معدودة، ليس بالمسافة الطويلة حقاً، فباقي الحدود حقول خضراء، ماؤها بارد يختبئ في عشبها رشاش قصير أو طلقات 9 ملم.في القسم العلوي من الطريق المحاذية للجدار، تتوزع أكواخ الإكسبرس على جنب النزلة بأسمائها الرومانسية. العم أبو حسن في أول النزلة، أحلى عالم، رفيق الشيخ أسعد والحاج خالد (١) أيام الصبا، يتكلم مع الجميع كأنهم حسن ويكرّر دعوته دائماً «خليها علينا خلص».
أبو علي غضب في «نص النزلة» ولكنته البيروتية والناضور الألماني الحديد. يقدّم أبو علي المكان بأكمله لك، تفضل. لكنه حاد ولا يسلم أحد من لسانه، إلا «الجليل».
«أينما أدرت وجهك في هذا الجبل رأيت الله»
ــــ «ليش عم ترسموا عالجدار؟» يسأل شاب مرة هذا السؤال،
- مش رح ينهدّ بس نفوت؟
-لوين بدنا نفوت يا مشحّر؟
- عفلسطين.
نظرت في عينيه قليلاً، عنيد أنت أيها الصعلوك!
الشعور «فوق السقالة» لا يمكنك وصفه إلا بطريقة واحدة، سيكارة «لاكي سترايك» بعد الساعة الخامسة عصراً، تنسى بها كل قرف بيروت ولوائحها المنافقة.
كلّما مرّ «موتسيكل» يُبَومر (٢). كلّما مرت شاحنة تزمّر. كلّما مرت سيارة، فرحوا وصفّوا إلى جانب الطريق، ليأخذوا صورة أو يحضروا لنا قهوة. كلّما مر علي رضا، كتب لنا اسمه بكل وقاحة قرب الرسمة الجديدة.
هربنا إلى الجنوب بكل العدة والدهانات، أنا ورفاقي أصبحنا سريّة الدهان، أو «مجاهدي خلط»


عنيد فعلاً أنت أيها الصعلوك!
منذ سنة بالضبط، هربنا إلى الجنوب بكل العدة والدهانات، أنا ورفاقي أصبحنا سريّة الدهان، أو «مجاهدي خلط» كما قرر مرةً الحاج حسن.
أردنا التواجد هنا على المسافة صفر مع الماء البارد وهواء «الجليل». لا ننسَ عندما رسم محمد القدس في جوف المساء على ضوء الأنتريك، كم أنّها عزيزة تأبى أن تخرج في الضوء، تبقى كما نبقى نختبئ تحت عباءة الجليل حتى لا نتوه.
لن نتوه.

* مهندس معماري وأحد المتطوعين في الرسم على الجدار
(١): الاستشهادي الشيخ أسعد برو والشهيد خالد بزي.
(٢) يُبَومر من فعل بَومَرَ وهي تعريب لكلمة neutral في ڤيتاس السيارة.15:37

(حسن شحادي)


(حسن فنيش)


(حسن شحادي)