كما في الأشهر التي سبقت الانتخابات النيابية الأخيرة، أظهرت الأيام الأخيرة استمرار الاستعصاء في تعامل القوى السياسية مع الأزمة التي تمُرّ بها البلاد، في انعكاس للصراع العميق بينَ مكوّنات المنظومة على إدارة الحكم وتقاسم النفوذ. ويبدو، حتى الآن، أن الكُتل الجديدة التي أفرزتها صناديق الاقتراع، أو ما يُسمّى بـ«التغييريين» و«المستقلين»، ليسوا في أدائهم سوى نسخة عن الكتل والأحزاب، مع عجزهم حتى الآن عن تشكيل إطار نيابي واحد، يُفترض أن يجمع من يستظلّون بمظلة «التغيير»، في وقت تسعى فيه قوى من المنظومة كالقوات اللبنانية جهدها لضمّهم تحت جناحها، بدءاً من استحقاق انتخاب رئيس للمجلس النيابي. كما يفترض بهؤلاء أيضاً السعي إلى بدء العمل سريعاً في بلد تكاد تنعدم فيه كل مقوّمات الحياة، بعيداً عن الاستعراضات والطروحات العبثية كذاك الذي جرى تداوله بين بعض نواب «التغيير» بترشيح النائب علي عسيران لـ«زكزكة» رئيس المجلس، وبعيداً عن كل الشعارات التي يرفعها حزب القوات اللبنانية، فيما هو في الواقع يخوض معركة رئاسة المجلس فعلياً ضد حزب الله، لا ضد الرئيس نبيه بري نفسه، من باب كسر ما يعتبره حزب الله «خط الدفاع الأول»، بعد الإخفاق في ذلك عبر انتزاع مقعد شيعي في الانتخابات الأخيرة.
(هيثم الموسوي)

الانخراط في بازار انتخاب رئيس للمجلس، مع علم الجميع بأن المرشّح الوحيد للموقع اسمه نبيه بري، بات واضحاً أيضاً أنه يخفي في طياته معارك على الحكومة المقبلة وعلى موقع نائب رئيس المجلس الذي يتنافس عليه ثلاثة مرشحين هم: إلياس بوصعب (التيار الوطني الحر)، غسان حاصباني (القوات اللبنانية) وملحم خلف (17 تشرين). كما أنه يهدف إلى إيصال بري بأقل عدد من الأصوات.
مصادر سياسية مقربة من رئيس المجلس، أشارت إلى أن إعادة انتخابه «أمر محسوم، ولا ضيرَ إن كان بلا أغلبية»، لكن «المشكلة ليست في عدد النواب الذين سيصوّتون. الكارثة أن لا أحد يريد التكلم مع أحد، ما يدفع إلى التساؤل: لماذا دخلوا الى مجلس النواب مجدداً؟ كي يتجادلوا؟ هناك ملفات ملحّة وقوانين مستعجلة وظروف ضاغطة تحتّم على القوى السياسية أن يتحدث بعضها إلى بعض، وحتى النواب التغييريّون عليهم أن يفهموا أن اللعبة البرلمانية تقتضي التشاور والتعاون مع الجميع»، مشيرة إلى أن «الاتصالات التي بدأت للتخفيف من أجواء التشنج توقفت». المصادر أكّدت أن أصوات نحو 60 نائباً مضمونة لبري من نواب كتل حركة أمل وحزب الله وحلفائهما والطاشناق والمردة ونواب كتلة عكار الأربعة «المحسوم أنهم سيصوّتون للرئيس بري»، بحسب ما أكد النائب وليد البعريني لـ«الأخبار»، إضافة إلى عدد من النواب المستقلين وكتلة اللقاء الديموقراطي. وفي هذا السياق، علمت «الأخبار» أن وفداً من كتلة «التنمية والتحرير» سيزور النائب تيمور جنبلاط للبحث في ملفات عدة؛ من بينها انتخاب رئيس المجلس. فيما يفترض أن يعلن التيار الوطني الحر موقفه بوضوح اليوم بعد الاجتماع الأول الذي ستعقده كتلة «لبنان القوي».
نواب المستقبل في عكار «حاسمون» في انتخاب بري ووفد من «التنمية والتحرير» للقاء جنبلاط


غير أن مصادر أخرى استبعدت أن يدعو بري، بصفته رئيس السنّ، إلى جلسة قريباً، قبل أن يضمن تصويتاً مسيحياً وازناً له. وبالتالي، قد لا تعقد الجلسة قبل اليوم الأخير من انتهاء المهلة الدستورية، مع الأخذ في الحسبان احتمال تجاوزها باعتبار أن هناك رأياً دستورياً يرى أنها مهلة حثّ لا إسقاط، إذ لم يرسم المشرّع، في المادة الثانية من النظام الداخلي لمجلس النواب، جزاءً أو فرضاً أو سياقاً في حال عدم الالتزام بهذه المهلة، كما هي الحال في سائر المواد في هذا النظام. ما يعني أن الأمور ذاهبة، على الأرجح، إلى تعطيل طويل للمجلس وللاستحقاقات التي تليه، وتحويل الأزمة إلى أزمة نظام وإطاحة اتفاق الطائف برمّته. وكان لافتاً في هذا السياق تصريح النائب جميل السيد، عقب لقائه رئيس الجمهورية ميشال عون، أمس، بأن «الرئيس لا يجوز أن يسلّم صلاحيات الرئاسة الى حكومة تصريف أعمال في نهاية ولايته، لأن صلاحيات الرئاسة ليست من المواضيع التي يشملها تصريف الأعمال. ولا يمكن، حسب رأيي، لفخامة الرئيس المغادرة وتسليم صلاحياته الى حكومة تصريف أعمال لا تتمتع بالصلاحيات الدستورية بنفسها».
زوار رئيس الجمهورية نقلوا عنه في ما يتعلق بانتخاب رئيس المجلس أنه «لا يتدخل في هذا الأمر، والقرار متروك للنواب، وهو لا يزال يتمسك بمبدأ فصل السلطات». وأكد عون، على عكس ما يشاع عن صعوبة تشكيل حكومة، أن «هناك حكومة وهناك انتخابات رئاسية (...) الجميع ظلّ يشكك بحصول الانتخابات حتى آخر يوم، ثم حصلت. وهكذا دواليك في استحقاق الحكومة والرئاسة». وأكد هؤلاء أن عون يصرّ على تشكيل الحكومة في أسرع وقت، ولا يضع شروطاً حتى بما خصّ اسم رئيس الحكومة، ولا يمانع فكرة تجديد الثقة بالحكومة الحالية في حال موافقة القوى السياسية على ذلك. ونقل الزوار عن عون خشيته من أن يكون هناك من يريد إبقاء الفراغ ومحاولة تهشيم صورته من خلال فوضى اجتماعية واقتصادية تنجم عن عدم تشكيل الحكومة الجديدة. مع ذلِك، لا تبدو الطريق معبدة أمام الحكومة، وخصوصاً أن لا اتفاق على اسم لبديل من ميقاتي حتى الآن، ولا ضمن نواب «المجتمع المدني» الذين يؤيد بعضهم تسمية السفير نواف سلام، وهو ما «لن يكون مقبولاً» من الفريق الآخر وتحديداً لدى حزب الله.



الحريري يلتقي ابراهيم
علمت «الأخبار» أن المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم التقى في واشنطن الرئيس سعد الحريري الموجود في العاصمة الأميركية في «زيارة عائلية». ويزور ابراهيم واشنطن بدعوة رسمية يلتقي خلالها مسؤولين رفيعي المستوى في الادارة الأميركية للبحث في الوضع في لبنان بعد الانتخابات النيابية.