تستعاد اليوم السابقة في ثالث تحوّل كبير تشهده برلمانات ما بعد اتفاق الطائف. الاول من كتلة واحدة (اعوام 1992 و1996 و2000)، ثم من كتلتين (عامي 2005 و2009)، فكتل مفككة (عام 2018)، وصولاً الى الآن من ثلاث كتل متوازنة تقريباً. ليس في برلمان 2022 مَن يمتلك الاكثرية المطلقة، ولا وطأة الانقسام تتيح تضافر كتلتين ضد ثالثة كي تقبض على النصف +1. اكثر من تلك التي سبقته، يملك البرلمان الجديد في ذاته بذور تعطيله، وربما بذور انفجاره ما لم يتداركه، من خلال مزيج عجيب من قواه يتطلب تفسيره - لا تبريره حتماً - مرور بعض الوقت وانتظار المحطات التالية. وما الصراع على انتخاب رئيس للمجلس ونائب للرئيس هذه المرة الا احدى علامات الانقسام. ليس نزاعاً على اعادة انتخاب الرئيس الحالي للمجلس، الشيعي الوحيد المرشح وفي الوقت نفسه مرشح اجماع المقاعد الشيعية الـ27. بل يقيم الخلاف في المنصب المحسوب قليل الاهمية، والبعض يعتبره ملحقاً بالمنصب الاول بعدما تلازما 13 عاماً (1992 - 2005) من خلال تناغم ثنائية برّي - فرزلي، ثم في الاعوام الـ13 التالية (2005 - 2018) مترجحاً بين الانقطاع والتباعد وفي بعض الظروف الاستفزاز من خلال ثنائية برّي - مكاري. لا يزال ماكثاً في الذاكرة عامي 2007 و2008، ابان الشغور الرئاسي، عندما هددت قوى 14 آذار بفرض انتخاب رئيس للجمهورية من صفوفها بنصاب النصف +1 في فندق فينيسيا، وتكليف مكاري - بصفته نائباً للرئيس ذا صلاحية الرئيس - توجيه الدعوة الى جلسة الانتخاب، بذريعة ساذجة ان رئيس المجلس استنكف عن الاضطلاع بمسؤولياته عن الصلاحية تلك، وهو تالياً - بغية الايحاء باحترام قانون النظام الداخلي - متغيّب ومنقطع عن وظيفته. لم تطل التمثيلية هذه طويلاً. ما بعد انتخابات 2009 راحت كتلتا 8 و14 آذار تتحللان تدريجاً كي تختفيا تماماً في انتخابات 2018.
محور الاشتباك القائم حالياً يمسي اكثر وضوحاً:
1 - بداية الاجتهاد في المادة الثانية في النظام الداخلي للمجلس، القائلة بامهال رئيس السن 15 يوماً حداً اقصى لتوجيه الدعوة الى جلسة تكوين هيئة مكتبه (الرئيس ونائبه والمفوضون الثلاثة وامينا السر). البعض يقول ان المهلة مقيِّدة وملزمة، والبعض الآخر انها مهلة حث وليس اسقاط. في الغالب، منذ انتخابات 1992، التأم البرلمان الجديد في يوم بداية ولايته وانتخب هيئة مكتبه، وحضر كله ما خلا استثناءات.
الـ15 يوماً للدعوة الى جلسة الانتخاب مهلة حث أم اسقاط؟
بعض الكلام الشائع ان برّي - للمصادفة غير المسبوقة ان يكون رئيس السن والمرشح في آن معاً وان يسلّم الرئاسة بنفسه الى نفسه - لن يدعو الى جلسة ما لم يسبقها، كما التقليد المتبع، تفاهم على انتخاب الرئيس ونائبه. يقال، في تفسير معاكس، ان لا غضاضة في تخطي المهلة ما دامت غير مقيَّدة بجزاء او إلزام. لم يسبق ان إختُبرت المادة الثانية على نحو كهذا. لكن المعلوم ايضاً ان الكتلتين الاخريين (الكتلة المسيحية الممثلة في التيار الوطني الحر وحزب القوات اللبنانية ومجموعة نواب المجتمع المدني) ليستا في وارد التوافق المسبق، وتريدان فصل احد الانتخابين عن الآخر. يدرك هذان الفريقان انهما سيخسران انتخاب الرئيس، ويرغبان في تعويضه بحصول كل منهما على نيابة الرئاسة.
2 - اياً يكن الاجتهاد وتفسير المادة الثانية في النظام الداخلي، الا ان لتأخير التئام البرلمان وانتخاب هيئة مكتبه الى ابعد من المهلة المنصوص عليها، من شأنه الارتداد على الاستحقاقات التالية، واهمها اجراء الاستشارات النيابية لتسمية رئيس مكلف تأليف حكومة جديدة. وهي تبدأ في قصر بعبدا وتنتهي في ساحة النجمة. التعطيل الاول يؤول الى تعطيل ثان.
3 - لأن اياً من الاقليات الثلاث لا تملك بمفردها نصاب الغالبية (65 صوتاً)، يصح القول ان قياساً كهذا ربما يصبح احدى عادات جلسات الولاية الجديدة. اولى محاولات خلط الاحجام، ان رافضي انتخاب برّي لا يملكون بديلاً منه، كما ان المستعجلين وضع اليد على نيابة رئاسة المجلس يحتاجون بدورهم الى النصف+1، وتالياً الى المكوّن الشيعي الممثل في حزب الله وحركة امل. ذلك ما يفضي الى حتمية التوافق وابرام صفقة.