من الخطأ الاعتقاد أن عملية انتخاب رئيس مجلس النواب تتطلّب، في الدورتين الأولى والثانية، 65 نائباً، تطبيقاً للنص الدستوري وسائر النصوص في النظام الداخلي لمجلس النواب، على اعتبار أن المادة 44 من الدستور تحدّد احتساب الغالبية انطلاقاً من أصوات المقترعين، لا من الغالبية الّتي يتألّف منها المجلس قانوناً (128 نائباً)، ما يعني أنّ هذه العملية، برأينا، قد تحتاج إلى ما دون 65 نائباً، تبعاً للمسوغات التاليّة:- لو أراد المشرّع الدستوري احتساب الغالبية من خلال أكثرية 65 نائباً، كان ذكر ذلك صراحةً قياسا على المادة 34 من الدستور بنصّها: «لا يكون اجتماع المجلس قانونياً ما لم تحضره الأكثرية من الأعضاء الذين يؤلفونه»، وكذلك المادة 57 من الدستور بنصّها في الفقرة الثانية: «عندما يستعمل رئيس الجمهورية حقه في إعادة النظر بالقانون يصبح في حل من إصدار القانون إلى أن يوافق عليه المجلس بعد مناقشة أخرى في شأنه وإقراره بالغالبية المطلقة من مجموع الأعضاء الذين يؤلفون المجلس قانوناً»، في حين أن المادة 44 من الدستور نفسه تنصّ على أن «في كلّ مرّة يجدّد المجلس انتخابه يجتمع برئاسة أكبر أعضائه سناً ويقوم العضوان الأصغر سناً بينهم بوظيفة أمين. ويعمد إلى انتخاب الرئيس ونائبه لمدة ولاية المجلس كل منهما بالغالبية المطلقة من أصوات المقترعين. وتبنى النتيجة في اقتراع ثالث على الغالبية النسبية...».
- لو أمعنّا النظر، قليلاً، في نصّ المادة 44 من الدستور اللبناني، نرى، بعين الموضوعية، بأنه يجد أساسه أو مصدره في النظام الداخلي الفرنسي، في الجمهورية الثالثة، الصادر عام 1876، عندما يحدد عملية انتخاب رئيس المجلس من خلال غالبية المقترعين لا من خلال مجموع عدد أعضاء المجلس قانوناً...
بناءً عليه، إذا حضر 100 نائب جلسة الانتخاب، وكانت المنافسة بين (أ) الّذي نالَ 60 صوتاً و (ب) الّذي نالَ 40 صوتاً، فإن الأكثرية المطلوبة، في الدورة الأولى، كما الثانية، هي 51 نائباً لا 65 نائباً كما استقرت عليه الممارسة الدستورية والسياسية، خلافاً للتفسير الّذي أدلينا به.
أما إذا اقتصرت العملية الانتخابية على مرّشح واحد (أ)، وحضر الجلسة 100 نائب، واقترع 80 نائباً لصالح (أ)، و20 نائباً اقترعوا ورقة بيضاء، ما يعني العدد المحتسب قانوناً وفعلياً هو 80 فقط، سنداً للنصّ الدستوري نفسه، وللمادة 12 من النظام الداخلي لمجلس النواب اللبناني: «لا تدخل في حساب الأغلبية في أيّ انتخاب يجريه المجلس الأوراق البيضاء..»، من دون أن يصل الأمر إلى إعلان الفوز بالتزكيّة، لأنّها تتطلبّ نصاً خاصاً تفتقده النصوص الناظمة (الدستور، النظام الداخلي، قانون الانتخاب...)، علاوةً على أن المادة 48 من قانون 44/2017 نظّمت حالة «التزكيّة» في حالة الترشيحات النيابيّة في الدوائر، حيث لا يمكن، برأينا، تطبيقها على موقع رئاسة المجلس، ما يستدعي من المشرّع التدخل، بوضوح، في تنظيمها بأحكام دستورية أو قانونية لا تقبل الشك أو الالتباس.

* أستاذ الأعمال التطبيقيّة في مادة القانون الدستوري في الجامعة الإسلامية