وسط الخراب الذي يضرب جميع مفاصل البلد: أزمة محروقات، وطحين، ودواء، وتعليم رسمي وخاص… عقدت حكومة «معاً للإنقاذ» جلستها الأخيرة أمس، فتمسّك البعض بـ”آخر خرطوشة” علّه يحصل على توقيع على ملفاتهم العالقة. وعلى أهمية هذه الملفات، لا سيما ملفي الدواء والجامعة اللبنانية، كان الحشد هزيلاً قرب القصر الجمهوري، لا يرتقي إلى مستوى الخراب الذي يعيشه اللبنانيون. والسبب يعود بشكل أساسي إلى «الخراب» ذاته الذي لا يسمح لهم بالوصول نظراً لكلفة المواصلات المرتفعة.
نعي الجامعة اللبنانية
تحرّك الأساتذة المتعاقدين في الجامعة اللبنانية كان أشبه بالمشي خلف جنازة يتيم. نعى ما لا يتعدى العشرين أستاذاً جامعة الوطن. حملوا لافتات سوداء كتب على إحداها: «الجامعة اللبنانية... ما كنت أحسب أني سوف أرثيها، وأن شعري إلى الدنيا سينعيها، وأن من كنت أرجوهم لنجدتها يوم الشدائد كانوا من أعاديها». وفي رثائها، نعى الأستاذ هشام الفلو الجامعة «بعدما وصلنا إلى طريق مسدود».
منذ عام 2014 والأساتذة المتعاقدون يقومون بتحركات مكثفة ويتعرّضون للضرب، وينامون في خيم أمام السراي الحكومي من أجل إقرار ملف التفرّغ، «وقاومنا حتى الرمق الأخير، لكنهم استنزفونا».
وبانتظار ولادة حكومة جديدة، حاول الأساتذة، رغم يأسهم، «إحداث صدمة»، على حدّ تعبير أحدهم، لعلها تؤثر في المعنيين في اللحظات الأخيرة، محمّلين مسؤولية «انهيار الصرح التربوي الوطني» إلى الرؤساء الثلاثة ورابطة الأساتذة المتعاقدين، رئيس الجامعة، ووزير التربية. «فالسلطة السياسية طوال الفترة الماضية نجحت في ضرب الجامعة اللبنانية من خلال مسلسل تعطيل إقرار المراسيم بحجة أن حجرة الخلاف على مرسوم العمداء تعترض طريقهم”.
لم تلتزم أستاذة الحقوق في الجامعة اللبنانية، وفاء حيدر، دعوة اللباس الأسود التي وصلتها. ترتدي الأبيض وتحتفظ بالأمل الذي سيعيد النبض إلى الجامعة. وتقول: «سنقاوم حتى آخر نفس، تماماً مثلما أدرّس طلابي المقاومة من أجل حقوقهم». تستمر بالإضراب حتى تحصل على حقها في التفرّغ بعد 11 عاماً من التعاقد. لم يعد بإمكانها أن تصل من بيروت إلى كليتها في زحلة في ظلّ كلفة مواصلات مرتفعة في حين لا تتقاضى إلا كل سنتين مخصّصات فقدت قيمتها ولا تشمل التغطية الصحية وبدل النقل.

نريد الدواء
على بعد أميال، هناك من يعتصم طمعاً بالحياة. مطلبهم الوحيد «الدواء». ومع أن اعتصام الأساتذة كان قاتماً وسوداوياً إلا أن «الفاجعة» تجدها هنا، تحت الخيمة، حيث تقف مجموعة حاملة بطاقة تعريف: «محاربو السرطان». سرقت ريتا شدياق كلّ الأنظار بانكسارها ودموعها. تقول، غير قادرة على السيطرة على رجفة يديها: «قمت من فراشي لأن صوت أحدهم لا يفارقني وهو يصرخ وجعاً. يريد المورفين. لكنه مقطوع». تروي هذه السيدة، ابنة الـ54 سنة حديثها بعفوية الأطفال. توسلت الوزراء المجتمعين لجلد الناس ومضاعفة مأساتهم: «أمّنوا لنا الدواء».
غياب دواء التصلّب اللويحي يصيب المرضى بالشلل


يتسلح نقيب الصيادلة جو سلوم بالأمل «إلى أن تصحو الضمائر، فتُفتح اعتمادات لمرضى السرطان وتقرّ سياسة دوائية مستدامة وشاملة وتوزّع البطاقات الدوائية». ويحاول أن يوزع الأمل على المرضى. لكن، ما نفع أن تعطي مريضاً الأمل بالشفاء ما دمت لا تعطيه العلاج أولاً»؟ يسأل رئيس جمعية بربارة نصار لدعم مرضى السرطان، هاني نصار. ويضيف: «مرضى السرطان البالغون يفتقدون للمؤسسات الحاضنة كتلك التي تهتم بالأطفال. ومع استمرار فقدان الأدوية وارتفاع فاتورة العلاج، يتفشى السرطان في أجسامهم ويودي بحياتهم. وقد توفت سيدة في الجمعية منذ يومين لأنها توقفت عن تناول الدواء الكفيل بإطالة عمرها».

مرضى التصلب اللويحي
إلى جانب مرضى السرطان، يقف مرضى التصلّب اللويحي. مطلبهم واحد: «الدواء». لكن بفارق أن غيابه لا يؤدي بالضرورة إلى وفاة المرضى بل يخرّب حياتهم ويصيبهم بالشلل. وقد بدأ أثر عدم تلقي الدواء المفقود يظهر لدى البعض، كحال فتاة في الخامسة عشرة من عمرها توقفت عن الذهاب إلى المدرسة بعدما تفاقمت حالتها. «عجزت عن صعود السلالم والتركيز في الصف وحتى حمل القلم نتيجة التوقف القسري للعلاج»، كما تروي متطوّعة في الجمعية اللبنانية للتصلب اللويحي باسكال عبدالله. كما «توقف آخرون ممن تأثرت حواسهم وجهازهم العصبي عن العمل».
فقدان الدواء يعزّز الطبقية بين من يؤمّنه بأسعار مرتفعة بالدولار من الخارج ومن ينتظر عطف الدولة. منذ سنة وديانا، مريضة التصلب، من دون دواء. توجهت إلى بديل فانقطع أيضاً من الأسواق. سألت عن ثمنه في تركيا «فكان الرقم صادماً: 300$». أما نادين ياسمين، مريضة التصلب أيضاً، فتشتري أدويتها من الخارج لقاء خمسة ملايين ليرة. لكنها تعيش «قلقاً يفوق تعبها الجسدي من كثرة التفكير في اليوم الذي ستعجز فيه عن تأمين كلفة علاجها».



الدفاع عن الخط 29
شهد محيط القصر أيضاً تحرّكاً لجبهة الدفاع عن «الخط 29»، شاركت فيها مجموعة من الناشطين من أجل الحفاظ على حقوق الشعب اللبناني في ثرواته البحرية. وطالب المتظاهرون بإرسال إحداثيات المرسوم 6433 إلى الأمم المتحدة بأقصى سرعة ممكنة، حاملين لافتات كتب عليها: «تعديل المرسوم سيادة والتخلي عنه خيانة».