في ميزان الرهانات الإسرائيلي، فشلت الانتخابات النيابية في إضعاف مكانة حزب الله، بعدما كانت محطة مفصلية لتثمير الحرب السياسية والإعلامية التي تعرض لها الحزب وحلفاؤه، بهدف إرساء وقائع تشكّل منطلقاً لمرحلة جديدة من مواجهة المقاومة.على مدى السنوات الثلاث الماضية، كان هدف الاستراتيجية الإسرائيلية لمواجهة حزب الله «إضعاف موقع الحزب ومكانته في لبنان»، في بيئته المباشرة، وعبر إضعاف حلفائه شعبياً وسياسياً. وهو ما عبّر عنه قائد المنطقة الشمالية في جيش العدو، اللواء أمير برعام، بالتزامن مع توليه منصبه عام 2019 («الأخبار» / 16 تشرين الأول 2019)، وأكّدته وقائع الداخل اللبناني خلال هذه الفترة، وكان يفترض أن تكون الانتخابات النيابية موسم قطف ثماره.
كان برعام، الذي يُفترض أن يتولى بحكم منصبه قيادة أي حرب على لبنان، واضحاً في تحديد الهدف الإسرائيلي المتمثل بتفكيك معادلة «الجيش والشعب والمقاومة»، عبر إسقاط حالة التكامل بين عناصر هذه المعادلة، أولاً بوضع الجيش في مواجهة المقاومة، وثانياً بجعل المقاومة عبئاً على الشعب وسبب أزماته المتفاقمة، وتقويض صورة المقاومة كمدافع عن لبنان إلى فصيل يعمل لمصلحة إيران، و«قد يجرّ خراباً على لبنان وليس حمايته». وفي هذا السياق، يُلاحظ التطابق التام بين أهداف العدو وبين خطاب شخصيات وقوى سياسية لبنانية تحت شعار بسط سيادة الدولة وحصرية السلاح وتحميل المقاومة مسؤولية الانهيار وجعل موضوع السلاح شعاراً للمعركة الانتخابية الأخيرة.
في اختبار النتائج، أظهر حجم التصويت للوائح المقاومة، في ظل معاناة اقتصادية ومالية ضخمة، فشل الحملة في تحقيق هذا الهدف، مع تقدم ملحوظ عن الانتخابات السابقة، ونيل تحالف الثنائي كامل المقاعد الشيعية في المجلس النيابي. والأهم أن التصويت في بيئة المقاومة، اللصيقة والواسعة، تخطّى التعاطي مع الانتخابات كاستحقاق دستوري وحق يمارسه الناخب لاختيار ممثليه، وأخذ بعداً «استفتائياً» عبّر عن احتضان المقاومة والتفافه حولها.
إلى ذلك، كان إضعاف حلفاء حزب الله خارج الطائفة الشيعية هدفاً إسرائيلياً صريحاً عبّر عنه برعام أيضاً، في سياق مناقشته لاستراتيجية مواجهة حزب الله، بأن على إسرائيل «تعزيز الصوت المعارض لحزب الله وسط الطوائف والجماعات غير الشيعية، والتأكيد على أن الحزب منظمة شيعية في ماهيّته وأفكاره ونشاطاته». وفي هذا السياق، فإن الدور الذي لعبته قوى محلية وإقليمية لإضعاف حلفاء الحزب، وفي مقدمهم التيار الوطني الحر، كان متطابقاً مع ما سبق أن حدَّدت معالمه المؤسسة الأمنية في إسرائيل. إلا أن نتائج الانتخابات، تحديداً في ما يتعلق بالتيار، بيّنت إخفاقاً أيضاً في تحديد هذا الهدف. فرغم التراجع الذي شهده التيار البرتقالي، إلا أن المؤكد أن صموده والنتائج التي حققها شكّلت مفاجأة نوعية سيتردد صداها في أكثر من عاصمة ذات صلة.
كان يفترض أن تقطف الانتخابات ثمار حملة عنيفة على المقاومة وحلفائها على مدى ثلاث سنوات


في ضوء ما تقدم، يصبح جلياً بأن جانباً أساسياً من الصراع المحتدم في لبنان هو في الواقع خيار بديل لجأت إليه القوى الإقليمية والدولية بعد فشل خيارات سابقة. أي، بعبارة أخرى، كانت المعركة الانتخابية فعلاً «حرب تموز سياسية» من الواضح أنها لم تنجح في تحقيق أهدافها.
في المقاربة الإعلامية الحالية، وإذا ما تجاوزنا ردود الفعل الإسرائيلية الأولية التي صدرت بعد الإعلان المتسرع عن فوز المعسكر المعادي للمقاومة بغالبية نيابية تمكنه من السيطرة على السلطة التنفيذية، بدأت التعليقات تصبح أكثر هدوءاً. وأول المؤشرات ما صدر عن «معهد أبحاث الأمن القومي»، بقلم الباحثة المتخصصة بحزب الله والشأن اللبناني أورنا مزراحي التي أشارت إلى تغيير في الخريطة السياسية بعد «فقدان معسكر حزب الله وحلفائه الأغلبية. إلا أنها لفتت إلى أن المعسكر المعادي للمقاومة غير قادر على تشكيل حكومة مستقرة تؤدي الدور المؤمل منها، ورجّحت أن موازين القوى البرلمانية ستجعل من الصعب تشكيل حكومة جديدة والاتفاق على رئيس حكومة جديد. إلا أن الأهم هو إقرار مزراحي، وهي من أبرز الداعين إلى الرهان على أعداء حزب الله في الداخل اللبناني والعمل مع شركاء إسرائيل في العالم العربي وأوروبا لدعمهم في مواجهته، بأن احتمال تشكيل حكومة من دون حزب الله «منخفض جداً» في هذه المرحلة.