جرت العادة، قبيل أيّ استحقاق انتخابي، أن تنسج قوى السلطة في ما بينها تحالفاتٍ هجينة إذا ما دعت حاجة المعركة. البعض تُناقض تحالفاتُه شعاراتِهِ. آخرون يتحالفون في دوائر ويخوضون نزالاً شرساً في وجه بعضهم بعضاً في دوائر أخرى. البرامج الانتخابية ليست سوى حبر على ورق الأحزاب الحاكمة، فيما الوعود بالعمل لمصلحة الطبقات الشعبية تسقط تحت قبة الندوة البرلمانية وطاولات حكومات الوحدة الوطنية. سلوك تعايرها به قوى الاعتراض، طارحةً نفسها بديلاً من سلطة طائفية فاسدة، لإحداث التغيير المرتجى على المستويات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والحريات العامة والحقوق المدنية. لكن المفارقة أن قوى الاعتراض تخوض الاستحقاق المقبل وفق لعبة السلطة نفسها. جولة على معظم «لوائح التغيير» في الدوائر كافة، تُظهر تحالفات هجينة أيضاً، كأن تجمع اللائحة الواحدة: شيوعيين وليبراليين، علمانيين وإسلاميين، مرشحين منقسمين حول ما إذا كان حزب الكتائب معارضة أو سلطة، وما إذا كان سلاح حزب الله ضرورة أو أن نزعه واجب، مناصرين للمصارف ومعارضين لها... فضلاً عن محاربة بعض المرشحين على اللائحة الواحدة بعضهم بعضاً، وغير ذلك الكثير من النماذج والممارسات، في ما يلي أبرزها، تطرح علامات استفهامٍ حول التغيير ومعناه في الشكل والجوهر.
دائرة جبل لبنان الرابعة (الشوف ــــ عاليه)
• بوضوح قالها المرشح على لائحة «توحّدنا للتغيير» مارك ضو: «حزب الكتائب ليس واحداً منهم» رداً على سؤالٍ في إحدى المقابلات الصحافية. اعتبر الكتائب معارضة، ولا ينطبق عليه شعار «كلّن يعني كلّن». ضو هو حليف الكتائب والنائب ميشال معوّض في «جبهة المعارضة اللبنانية». يوم اقتراع المغتربين، انتشرت صور لضو جمعته ومندوبي الحزب الاشتراكي في دولة الإمارات. وهو نفسه اليوم ينضوي في لائحة «توحّدنا للتغيير» مع الإعلامية غادة عيد التي رفض التخالف معها في انتخابات عام 2018، متّهماً إيّاها بالفساد!
• المرشحة حليمة قعقور عن لائحة «توحّدنا للتغيير»، بحسب متابعين، تمنع مناصريها من رفع صور اللائحة، وتحصر الترويج لنفسها. وتروّج أن المعركة هي على المقعد السني الذي تترشح عنه، وأنّ أيّ تصويت تفضيلي لمرشحي اللائحة نفسها عن المقعد الدرزي في القضاء سيذهب سدى ولا حاجة له.

دائرة بيروت الأولى (الأشرفية، الرميل والمدوّر)
• وفق متابعين، أحبطت المرشحة عن لائحة «لوطني» بولا يعقوبيان ترشيح رئيسة النوادي العلمانية فيرينا العميل في بيروت الأولى، بحجّة أن «أهل المنطقة لا يستسيغون الخطاب العلماني».
• في كانون الثاني 2020، وبعد ليلة تحطيم واجهات المصارف الشهيرة في الحمرا، دافعت يعقوبيان عن المصارف، وأدانت من اعتبرتهم «مندسّين». ومع أنها زوجة المصرفي وهبي تماري، رئيس مجلس إدارة البنك العربي، تهاجم المرشح نديم الجميل لترشحه على لائحة مدعومة من مصرفي هو أنطون الصحناوي!
• قدّمت يعقوبيان قبل استقالتها من مجلس النواب اقتراح قانون لنظام الصرف، ينصّ على إنشاء «مجلس النقد». نظامٌ كان مُعتَمَداً بشكل أساسي في المُستعمرات البريطانية والفرنسية، «خصائصه» هي نفسها مُسبّبات الأزمة اللبنانية: تثبيت سعر صرف العملة، الاعتماد على استقطاب ودائع خارجية ودولرة الاقتصاد بشكل كلّي. وخطورته الكُبرى أنّه يتم بمعزل عن أي رؤية للاقتصاد الكلّي.
• في تغريدة للمرشحة عن لائحة «لوطني» سينتيا زرازير تعود إلى عام 2016، ونشرها ناشطون قبل أسابيع، دعت زرازير إلى «إبادة الشعب السوري شو ما كان جنسه أو نوعه، ما إجا منن إلا البلى على لبنان».

دائرة بيروت الثانية
• في فيديو مسجّل، يقول رئيس حركة «مواطنون ومواطنات» شربل نحاس: «قبل 48 ساعة من تسجيل اللوائح، وصلنا إلى اتفاقٍ مع لائحة «بيروت تقاوم» وبداية تنسيق مع «بيروت مدينتي»، تدخّلت بولا يعقوبيان وملحم خلف ومعهما وضاح الصادق بتمويل سخيّ من منصة «كلنا إرادة» وفرطوا مسعى الالتقاء».
• قبل انسحابها من الاستحقاق الانتخابي، واجهت المرشحة عن لائحة «بيروت مدينتي» ناهدة خليل حملات إقصاء بسبب هوية ابنتها الجندرية. التصويب أتى من مجموعات مُعارضة يُفترض أنها تحمل أجندات تغييرية وخطاباً تقدمياً على مستوى الحريات الفردية.
• رداً على سؤال في مقابلة صحافية عما إذا كان سيصوّت لنبيه بري لتولي رئاسة مجلس النواب مرة جديدة، أجاب نقيب المحامين السابق المرشح الحالي على لائحة «بيروت التغيير» ملحم خلف: «في المبدأ أنا مع التغيير. لكل حادثٍ حديث». إجابة اعتبرها كثر غير حاسمة من «تغييري» يواجه السلطة.
• في 29 آذار، غرّد المرشح على لائحة «بيروت التغيير» وضاح الصادق: «#لبنان: شعباً سلطة ومعارضة» بات بحاجة إلى حكم دكتاتوري. وفي كانون الثاني 2020، بعد ليلة المصارف الشهيرة في الحمرا، هاجم الصادق المتظاهرين ووصفهم بالمشاغبين والمندسّين. في 10 كانون الأول 2019، نظّمت مجموعة «أنا خط أحمر» بقيادة الصادق نشاطاً لحثّ شركات القطاع الخاص على العصيان الضريبي، بحجة أن أموال هذا القطاع المدفوعة على شكل ضرائب للدولة تتم سرقتها من السلطة السياسية. قبلها بمدة كانت شركة الصادق للإعلانات، «ITS»، تنظّم بالتعاون مع جمعية «Beasts» حفل رأس السنة في وسط بيروت. يومها تقاضت الجمعية التي ترأسها إحدى المقرّبات من الرئيس سعد الحريري مليون دولار من بلدية بيروت، وأثيرت فضيحة حول الموضوع لما تضمّنه من هدر لأموال سكان العاصمة. نحو 400 ألف دولار من هذه الأموال ذهبت إلى شركة الصادق وزميله عزت قريطم (منظّم غالبية مهرجانات تيار المستقبل). قبيل ذلك بعام أيضاً، كلف الحريري الصادق وقريطم تنظيم حفل رأس السنة (2018) في ساحة مجلس النواب. في أيار 2017، نظمت شركة «Beasts» بالتعاون مع الصادق وقريطم وبدعم مالي من بلدية بيروت وبرعاية الحريري، عرضاً لسيارات الفورمولا على واجهة بيروت البحرية. البعض يعتبر أن الصادق استفاد من السلطة السياسية الحاكمة وأموال الناس التي تُصرف على مهرجانات سياسية ونشاطات تنفيعية بغية إيجاد مسوّغ قانوني لهدر الأموال.

دائرة جبل لبنان الأولى (كسروان ــــ جبيل)
• كأحزاب السلطة، جال وفد من لائحة «صرخة وطن» على المرجعيات الدينية. قصد بكركي «لأخذ البركة» ثم انتقل لزيارة السيد علي فضل الله في حارة حريك. و«صرخة وطن» هي لائحة النائب السابق نعمت افرام وحزب الكتائب، ويروّج مرشحوها بأنها تغييرية.
• المرشحة عن لائحة «نحنا التغيير» زينة كلاب تقدّمت بدعوى ضد المرشحة على لائحة «صرخة وطن» جوزفين زغيب بسبب استمرارها في استخدام شعار لائحة «نحنا التغيير» بعد الانسحاب منها والانضمام إلى «صرخة وطن».

دائرة الشمال الثانية (طرابلس ــــ المنية ــــ الضنية)
• تضمّ «لائحة انتفض للسيادة والكرامة»، إلى جانب حزب «الكتلة الوطنية»، عضو تيار «المستقبل» السابق مصطفى عويك وعضو «هيئة العلماء المسلمين» محمد خليل أسوم. ولأسوم تصريحات ذكورية تربط الشرف بعذرية النساء، وتعتبر حفلات الموسيقى حفلات مجون، ما أثار حفيظة كثير من الناشطين على «التحالف غير المفهوم»، مطالبين بنزع صفة «التغيير» عن اللائحة.
• لائحة «التغيير الحقيقي» تضمّ المسؤول في الجماعة الإسلامية عزام أيوبي.

دائرة البقاع الثانية (راشيا ــــ البقاع الغربي)
• مرشّح لائحة «سهلنا والجبل» ياسين ياسين صرّح بأنه في حال فوزه لن يصوّت لمصلحة قانون يشرّع الزواج المدني في لبنان لـ«مخالفته التعاليم الإسلامية».

دائرة جبل لبنان الثالثة (بعبدا)
• اتهامات تطال المرشح على لائحة «بعبدا التغيير» واصف الحركة، أبرزها من الناشطين ميشال شمعون وبيار بعقليني، مضمونها أن الحركة تواصل معهما على مدى شهرين قبل تاريخ تسجيل اللوائح ليكونا جزءاً من اللائحة، قبل أن يُفاجآ بأنهما خارجها بعد «تفضيل الحركة متموّلين» عليهما. بعدها، شكّل شمعون وبعقليني وأسامة الأعور لائحة «نحنا التغيير».
• مرشح لائحة «بعبدا التغيير» روبير خليفة لا يقبل المحجّبات. إذ كشفت الناشطة سارة قصاص أن «شركة خليفة رفضت طلب شقيقتها العمل لديها بذريعة الحجاب»، خاتمةً تغريدتها بعبارة «مرحبا تغيير». وخليفة يشغل منصب المدير التنفيذي لشركة «خليفة القابضة» العاملة في مجال البناء.

دائرة الجنوب الثالثة (النبطية، مرجعيون، حاصبيا وبنت جبيل)
• المرشح عن لائحة «صوت الجنوب» محمود شعيب التقى المرشح على لائحة «حركة أمل» في الدائرة الانتخابية نفسها، النائب هاني قيبسي، لـ«تبادل الأفكار وطرح مجموعة من القضايا»، وانتهى اللقاء بـ«توافق تام بالأفكار والأمور التي أثيرت» على حدّ تعبير شعيب.
• المرشح على لائحة «معاً نحو التغيير»، علي مراد حضر حفل إطلاق الماكينة الانتخابية المركزية لحزب «الكتائب»، وظهر في إحدى الصور مصافحاً سامي الجميل.