منذ عام تقريباً توقّفت أم علي عن بيع جيرانها وأهل قريتها بالدَّين كما اعتادت أن تفعل منذ سنوات. فالحياة أصبحت صعبة والأسعار متقلّبة، والأهمّ بالنسبة إليها أنّ هذه الديون لم تعد تجد من يسدّدها حين يعجز أصحابها كما كان يحصل من قبل. «كان أحد الميسورين في القرية يزور الدكان كلّ عام في رمضان ويتولّى دفع معظم الديون من مال الزكاة» تقول وهي تستعرض الديون المسجلة على دفترها منذ أكثر من عام دون أن يتمكّن أصحابها من سدادها، اليوم «اختفت الأموال بعد الأزمة، فزاد عدد الفقراء ولم يعد الأغنياء قادرين على أداء فريضة الزكاة». أمّا جميل، وهو عامل بناء وأب لثلاثة أطفال، فقد حرمته هذه الأزمة من المبلغ الشهري الذي كان يحصل عليه من زكاة أحد أقربائه كلّ عام، فيساعده إلى جانب المبلغ المتواضع الذي يجنيه من عمله على تأمين حاجاته الأساسية ويكفيه ذلّ السؤال.
لا أموال نقدية
ليست هذه القصص حالات منفردة، فالأزمة الاقتصادية والأموال المحجوزة في المصارف أرخت بظلالها على الكثير من العائلات التي كانت أموال الزكاة تشكّل دعامة أساسية لها، كما يوضح لنا المصرفي عفيف حنتس المتخصّص في المصارف الإسلامية، فالكثير من المودعين الذين كانوا يسحبون أموال الزكاة كلّ عام ويقدّمونها إلى أشخاص يستحقّونها أصبحوا عاجزين اليوم عن الوصول إلى أموالهم وبالتالي إيصال زكاتها إلى من يحتاجها. ويشرح حنتس أن نسبة الزكاة، والتي تبلغ 2.5 في المئة من الأموال التي تُجاوز حداً معيناً لمدة عام كامل، كانت تكفي بالنسبة لبعض كبار المودعين لتقسيطها على مدى 12 شهراً وتقديمها لعائلات محتاجة كراتب شهري على مدار العام. كما كان آخرون يتولّون دفع أقساط مدرسية أو تسديد ديون كبيرة عن أشخاص عاجزين عن السداد أو حتى الدفع مقابل تلقي علاج أو إجراء عملية جراحية. «لم يعد أصحاب الأموال قادرين على الدفع نقداً في ظلّ هذه الأزمة» يقول حنتس، «فهم إما اتّبعوا الفتاوى التي تعفي هذه الأموال من الزكاة حالياً كونها أموال محجوزة، وإما أصبحوا يُخرجون أموال الزكاة على شكل شيكات مصرفية تذهب في غالبيتها إلى حسابات المؤسّسات الخيرية حيث تبقى عالقة في هذه الحسابات ولا تصل بالتالي إلى المستحقّين مباشرة». ويُشير إلى أثر ذلك على الدورة الاقتصادية وعلى الأشخاص الذين اعتادوا الاستفادة من مال الزكاة انطلاقاً من مبدأ أنّ «الأقربين أولى بالمعروف»، إذ «تتوقّف دورة أموال الزكاة هنا، كما تغيب فكرة التكافل الاجتماعي التي كانت الزكاة وشهر رمضان يشكلان فرصة لتعزيزها، ويفقد الكثيرون فسحة أمل كانوا ينتظرونها كل عام».

مال مغصوب
تختلف المراجع الدينية إذاً في كيفية التعامل مع هذه الأزمة المستجدة، فهل يجب إخراج الزكاة عن الأموال المحجوزة في المصارف؟ يجيبنا الشيخ الدكتور أحمد كنعان، عميد كلية الدعوة سابقاً على هذا السؤال، معتبراً أنّ هذا المال يجب أن يُعامل معاملة المال المغصوب الذي لم يعد صاحبه مالكاً فعلياً له، وبالتالي لا زكاة عليه إلى حين تحريره. «فإذا انتهت الأزمة وعاد المودع لامتلاك أمواله لاحقاً سيكون عليه إخراج الزكاة عنها، أما إذا فقد هذه الأموال أو جزءاً كبيراً منها نتيجة الإجراءات المصرفية، فلن تتوجّب عليه الزكاة وإنما قد يتحول إذا ساءت الأحوال أكثر إلى واحد من مستحقيها». أما عن إمكانية إخراج الزكاة على شكل شيك مصرفي فيؤكد الشيخ كنعان أنّ ذلك جائز من حيث المبدأ، ولكن هذا الشيك سينتهي في حساب مصرفي آخر وسيبقى بالتالي محجوزاً ولن يصل إلى الفقراء. ويشرح أنّ ذلك لن يعود بالفائدة فعلياً إلا على المصارف، «فحتى لو نجح الفقير في صرف هذا الشيك فهو لن يحصل على أكثر من 20 في المئة من قيمته وسيحتفظ المصرف بالباقي ويستفيد بالتالي من أموالنا بطريقة احتيالية قانونية»، مشيراً إلى أنه من أهداف الزكاة تنمية الأموال عبر تشغيلها وتجنّب تجميدها، إضافة إلى عدم بقائها في يد فئة واحدة من الناس بهدف تدوير المال وتحريك العجلة الاقتصادية.
لا زكاة على الأموال المحتجزة في المصارف إلى حين تحريرها


ويحمّل الشيخ كنعان دار الفتوى مسؤولية تعدّد الفتاوى في هذا المجال آسفاً لغيابها خلال الأزمات التي يمر بها البلد، ويُضيف «كنّا نأمل من سماحة المفتي التحرّك في ظل هذه الأزمات عبر إقامة مجمع أو لقاء للمفتين أو إصدار بيان واضح يحدد كيفية التعامل مع الأموال المحجوزة في المصارف حتى يتبع الناس فتوى واحدة بهذا الشأن». ويشدّد أخيراً على أنّ الضرر لاحق بأصحاب الأموال ولكن الفقراء هم الفئة الأكثر تضرّراً، داعياً الأغنياء إلى عدم انتظار شهر رمضان لإخراج الزكاة على أموالهم حين يكون ذلك ممكناً، وإنما المبادرة إلى ذلك في أيّ وقت، للمساعدة في تسديد حاجات الناس في ظلّ الظروف الصعبة التي نمرّ بها وارتفاع نسبة المحتاجين لأموال الزكاة والمستحقين لها.