«إيه جبت صفر، شو بعمل؟ هالقد فيّي أعطي» تقول هبا، التي تُعاني من صعوبة في التعلّم، عن وضعها في مدرستها القديمة. وتروي والدتها عبير، أنّها كانت تتردّد أسبوعياً إلى المدرسة لتُراجع الإدارة بعدما وجدت أنّ علاماتها لا تتحسّن: «حاربتُ لكي أفهم مشكلة ابنتي، فحوربتُ من المجتمع وحتّى من المعلمات في المدرسة، واتُهمت أنني أريد أن أجعل من ابنتي مجنونة، ما أثّر بي وبها كثيراً». لكنها لم تتأثر، ونقلتها إلى جمعية مختصّة بتعليم من هم في وضع ابنتها. الأهم بالنسبة إلى عبير هو أن يعترف الأهل بالمشكلة التي يواجهها طفلهم: «قد تسمع أسئلة كثيرة نابعة عن فضول من حولك. لا بأس، ابنتي تُعاني من صعوبة معينة، وهي في مكانٍ مختصّ لتحلّها، فما المشكلة؟». عموماً، وإن كانت هبا «لا تحبّ الكتابة» كما تقول، فهي تنجح بمفاجأة أهلها ومعلّميها بأعمالها اليدوية و«اختراعاتها» المستمرة، التي تُقبل عليها بنشاط وشغف غير اعتياديّيْن.بدورها تروي سرار، وهي أمٌّ لولدين يعانيان من صعوبات تعلّمية، وتحديداً من عسر الكتابة (Dyslexia)، قصّتها «اكتشفت المشكلة أولاً لدى ابني الصغير ابراهيم (12 سنة). فبعدما وصل إلى الصف الأول أساسي، لم يكن ينجح في كتابة اسمه حتى، أو في التمييز بين الحروف، فقرّرت نقله إلى جمعية مختصّة حيث أُعيد تأسيسه منذ البداية. وحالياً، هو في الصف الرابع أساسي، وقد أصبح قادراً على الكتابة والتهجئة والقراءة بنفسه».
أمّا بسام (17 سنة)، بحسب الأم، فبدأ، منذ الصف السابع، يواجه مشكلات مع المدرسة بسبب علاماته المتدنية. و«في خضمّ التوبيخات القاسية، التي وصلت حدّ الضرب أحياناً، وإعادة الصفوف، تراجعت ثقته بنفسه وأصبح يميل نحو العزلة ويرفض في أغلب الأحيان مقابلة الناس». تتابع سرار أنّه لدى احتضانه من قبل الجمعية المختصّة، بدأ يستعيد ثقته بنفسه شيئاً فشيئاً، في أجواء من الارتياح النفسي والتعليمي، ليتوّج مسيرته التعلّمية، هذه السنة، بالنجاح في امتحانات الشهادة المتوسطة.

قنوات خاصة للتعلّم
لا يُعدّ التقدم والنجاح اللذين حقّقهما هؤلاء التلاميذ، وهم عيّنة صغيرة من الأطفال الذين يعانون من صعوبات تعلّمية متعدّدة، ظاهرة نادرة، إذ تؤكّد خبيرة الصعوبات التعلّمية واضطراب تشتّت الانتباه وفرط النشاط، رئيسة الجمعية المتخصصة بالصعوبات التعلمية، د.هدى شعبان، أنّه بعد 25 سنة خبرة من العمل مع هؤلاء الأولاد، «أصبحنا متأكّدين أنّهم قادرون على التعلّم كأي طفل عادي، إلا أنّ لهم قنواتهم الخاصة لوصول المعلومة إلى أدمغتهم، لذا يجب أن نأخذ بالاعتبار طريقة دفعهم إلى المشاركة وإيصال المعلومة إليهم. لكنهم لا يختلفون عن غيرهم بشيء، من حيث مستوى الذكاء ورغبتهم بالتعلّم، ما لم يتم إحباطهم».
كثير من التلاميذ كانوا على حافة التسرّب المدرسي ومنهم من أصبح طبيباً أو مهندساً


في المقابل، ينعكس جهل الكثير من المدارس والمعلمين بالصعوبات التعلمية التي قد يعانيها أي تلميذ في صفوفهم، تجاربَ سيئة لدى هؤلاء. فيروي بسام كيف كانت الصفوف المكتظة، ورفض المعلمة إعادة الشرح، يحولان دون اكتسابه المعلومات، حتى مع مساعدة الدروس الإضافية. وبطبيعة الحال، لم يُفلح عزل ابراهيم على آخر مقعد خلفي في تقدّمه، أو وضع هبا في غرفة منعزلة، كعقاب، في مساعدتها على حلّ تمرين الرياضيات. بالمقابل، تعتبر هذه الأخيرة أنّها، في الجمعية المختصّة، أصبحت بين «أشخاص يهتمون بي، يفهمون صعوبتي، ويساعدونني على تجاوزها». من جهته، تريح الصفوف صغيرة الحجم (5 تلاميذ كحدّ أقصى) ابراهيم وتساعده على التركيز أكثر.
بيد أنّ أغلب هذه المدارس والجمعيات، حيث الصفوف الصغيرة والأخصائيون الضروريون بالنسبة لذوي الصعوبات التعلّمية، تناضل، عبر المبادرات الفردية، للاستمرار والتطوّر في مواجهة تحديات كثيرة وغياب دعم الدولة.

لا ميزانية ولا مناهج
تروي أمل المغربي، رئيسة جمعية «ثمارنا» للصعوبات التعلّمية التي تستقبل التلاميذ الذين يعانون من أنواع الصعوبات كافة، كعسر الكتابة والقراءة، وفرط الحركة، والتوحّد الخفيف، وغيرها، أنّ عملهم بدأ بمبادرة فردية، واستمرّ «بمساعدة بعض الجمعيات والأفراد والمجتمع الأهلي في المنطقة، ودعم وزارة الشؤون التي تغطي عدداً من التلاميذ حتى عمر الـ12 سنة فقط». وبالرغم من الوضع الاقتصادي الضاغط، ولا سيّما خلال العامين الماضيْين، والتكاليف المترتبة على توظيف الأخصائيين الذين يُخضعون الولد لاختبارات منذ اليوم الأول بهدف تقييم صعوبته ووضع برنامج مناسب له، وعدد المعلمين الكبير لتلبية العدد الكبير من الصفوف، تعتبر المغربي أنّ على الدولة تخصيص ميزانية أكبر للوزارات التي تُعنى بهؤلاء التلاميذ، ولا سيّما وزارة الشؤون الاجتماعية، لأنّهم لن يكونوا قادرين على الاستمرار في المدارس الرسمية، ما قد يؤدي في نهاية المطاف إلى تسرّبهم من المدرسة.
خلال عملها، بادرت المغربي بمساعدة بعض المختصّين والدورات التدريبية إلى وضع كتب مُكيّفة مع أوضاع التلاميذ، ودمج الصفوف، علماً أنّها تعتبر أنّ هذا العمل هو من اختصاص وزارة التربية التي يجب أن تضع برامج ومناهج للأطفال ذوي الصعوبات التعلّمية، من ضمنها الكتب التي تتلاءم مع صعوباتهم، تكون النصوص فيها، على سبيل المثال لا الحصر، أقصر ومطبوعة بخطّ أكبر.
تلفتُ المغربي إلى أنّه منذ عام 2002، حصل تطور كبير في عملهم من ناحية «وعي» الأهل لمسألة الصعوبات التعلمية، إذ كانوا في السابق يخجلون من الاعتراف بوجود هذه المشكلة، إلا أنّ ازدياد عدد الأطفال في الجمعية هو «مؤشّرٌ على أنّ مفهوم الصعوبات التعلّمية بات أكثر انتشاراً وأنّ الأهل باتوا أكثر تصالحاً معه، ما يسهّل تدخّل الأخصائيين السريع للحد من المشكلة».
كما شكّل نجاح الجمعية في الحصول على إجازة لصف الشهادة المتوسّطة، بارقة أمل جديد للتلاميذ الذين بدأوا يخضعون للامتحانات الرسمية المكيّفة. وحتى الآن، تخرّجت خمس دفعات من صف «البريفيه»، وحاز البعض منهم على درجة تقدير.
تتابع المغربي، مستشهدةً بمسيرتها الطويلة مع هؤلاء التلاميذ، أنّ كثيراً منهم كانوا على حافة التسرّب من المدرسة، قبل أن يصبح أحدهم طبيب أسنان والآخر مهندس ديكور، ويختار آخرون التوجّه نحو التعلّم المهني، مؤكّدةً: «ما من ولد غير مبدع، لكن يجب إيجاد المفاتيح الملائمة له، أي الطريقة والأسلوب اللذين يناسبانه، وما إن يحصل ذلك، سيصبح بإمكانه صناعة المعجزات».