لا يزال قرار تعيين رؤساء أصيلين لمحاكم التمييز (القضاة ناجي عيد، ماجد مزيحم، سانيا نصر، أيمن عويدات، حبيب رزق الله ومنيف بركات) الصادر عن مجلس القضاء الأعلى قبل أسابيع مجمداً. إذ إن المرسوم الذي وقعه وزير العدل هنري خوري لم يُحَل بعد إلى رئيسيْ الجمهورية ميشال عون والحكومة نجيب ميقاتي، بسبب رفض وزير المال يوسف خليل توقيعه.مرور التعيينات شكل مفاجأة كونها أتت بعد تجاذبات كثيرة حول الأسماء، خصوصاً أن رئيس مجلس القضاء الأعلى سهيل عبود كانَ يحرص على تأمين فريق داخل الهيئة العامة يكون «ضامناً» للقرارات التي يريد تمريرها، لكن رفض أعضاء مجلس القضاء، وتحديداً القاضي غسان عويدات، لبعض الأسماء التي أصر عليها عبود حالت دون تعيينهم، من بينهم القاضيتان جانيت حنا ورندة كفوري. وقد أسرّ عبّود أمام عدد ممن التقاهم بأنه ليسَ راضياً عن التعيينات، علماً بأنها كانت ضرورية لجهة تمكين الهيئة العامة من الاجتماع مجدداً بعدَ اكتمال النصاب، والبت في دعاوى مخاصمة الدولة المقدمة في ملف التحقيقات في انفجار مرفأ بيروت واعتراضاً على المحقق العدلي طارق البيطار.
وقد تبيّن لاحقاً بأن المرسوم دونه عقبات. فحتى اللحظة لم يوقعه وزير المالية ما دفع إلى اتهام الجهة التي يمثلها بأنها ترفض التوقيع كي تبقى يد القاضي البيطار مكفوفة عن ملف التحقيقات. إلا أن الأزمة الفعلية هي في المرسوم نفسه. ففي وقت يُشير وزير المال، بعدَ مراجعته، بأنه «لا يزال يدرسه»، يدور في كواليس القضاء والقوى السياسية حديث عن «ألغام» ومخالفات ميثاقية مرتكبة. فبحسب النص القانوني، تتألف الهيئة من رؤساء غرف التمييز، ويرأسها رئيس مجلس القضاء الأعلى الذي يُفترض بحسب النصوص أنه يترأس أيضاً الغرفة الأولى في محاكم التمييز. وككل تقسيم طائفي في البلد، فإن الأعضاء العشرة الذين تتألف منهم الهيئة مقسومين 5 مسيحيين و5 مسلمين، إلا أنه قبلَ سنوات (قبلَ تعيين عبود رئيساً لمجلس القضاء) جرى، بفتوى استثنائية، تعيين قاض مسيحي آخر ليترأس الغرفة الأولى بدلاً من رئيس مجلس القضاء الأعلى، وبقيت غرف محاكم التمييز ظاهراً مقسومة مناصفة بين مسيحيين ومسلمين. لكن مرسوم التعيينات الحالي للهيئة العامة «أخلّ بهذا التوازن»، وفقَ ما تقول مصادر «العدلية». فرئيس مجلس القضاء الحالي سيترأس الهيئة العامة لمحكمة التمييز من دون أن يكون رئيساً لإحدى الغرف (الغرفة الأولى) التي سيترأسها القاضي ناجي عيد، وبذلك يصبِح عدد أعضاء الهيئة 11 عضواً، 6 مسيحيين و5 مسلمين. قد يعتبر البعض أن الملاحظة «غير منطقية» لجهة أن هذا الواقع كانَ سائداً في السابق ولم يعترض عليه أحد، فلماذا يعتبر مخالفة اليوم؟
«الظرف اختلف» تقول المصادر، «في ظل خصوصية ملف المرفأ والطريقة التي أدير بها، تحديداً من قبل سهيل عبود حيث جرى تطييف الملف بشكل نافر، ما استدعى هذه المرة التوقف عند هذه النقطة». ومن جملة الملاحظات التي تحدثت عنها المصادر، انتداب القضاة إلى المراكز الأدنى بدلاً من الأعلى، فهم يشغلون بالأصالة مراكز في الهيئة العامة فيما بقوا منتدبين في مراكزهم القديمة.