التمعّن في توزيع الأصوات التي حصل عليها المرشحون في انتخابات نقابة المهندسين السبت الماضي، وقبلها انتخابات آذار الماضي، يشير إلى أنّنا أمام مرحلة جديدة من العمل النقابي، لا يمكن فصلها عن الواقع السياسي والمزاج العام لفئة المهندسين داخل المجتمع اللبناني. فقد أفرزت الانتخابات التي جرت بهدوء وانتظام، واقعًا جديدًا في موازين القوى النقابية، تمثّل بدخول 5 أعضاء جدد إلى مجلس النقابة كما يأتي:ــــ الفرع الثالث: فاز وليد الجباوي برئاسة الفرع وعضوية مجلس النقابة مدعومًا بأصوات التجمّع الإسلامي للمهندسين (حزب الله) وبعض مهندسي التيار الوطني الحر الذي لم يكن يشارك بقوة، وبعض مهندسي حركة أمل وآخرين مستقلين. وقد نال 1499 صوتاً مقابل 921 صوتًا للخاسر الأول الحسين عاكوم المدعوم من أحزاب: الاشتراكي والقوات والمستقبل، وكذلك حركة أمل.
ــــ الفرع الرابع: فاز بعضوية مجلس النقابة يوسف غنطوس، المدعوم من التجمّع الإسلامي للمهندسين بنحو 70% من الأصوات التي حصل عليها (1891 صوتًا)، علماً بأن غنطوس كان أيضًا خيارًا لبعض قوى «النقابة تنتفض». في المقابل، حصل الخاسر الأول كمال سيوفي (مرشح القوات اللبنانية المدعوم من الاشتراكي والمستقبل وحركة أمل) على 1193 صوتًا.
ــــ الفرع الخامس: فاز نزيه هلال بـ 1618 صوتًا مدعوماً بأصوات: الاشتراكي والقوات والمستقبل وحركة أمل، إضافة إلى «النقابة تنتفض»، فيما خسر إبراهيم أبوديب (1271 صوتاً) المدعوم بشكل أساسي من «المهندسين المقاولين» و«التجمع الإسلامي للمهندسين».
وفي انتخابات الهيئة العامة لعضوية مجلس النقابة (عضوان)، كان لافتاً الفوز الكبير لتوفيق سنان (1497 صوتًا) مدعومًا من «التجمع الإسلامي» ومهندسين مستقلين، مقابل مرشّحَي أحزاب: الاشتراكي والقوات والمستقبل وحركة أمل، الفائز الثاني شارل الحاج (القوات اللبنانية ــــ 1019 صوتًا)، والخاسر الأول وائل سيف الدين (المستقبل ــــ 931 صوتًا)، فيما نال مرشحا «النقابة تنتفض» هانيا الزعتري وروي داغر نحو 900 صوت لكلٍّ منهما. وكانت حركة أمل قد رفضت دعم سنان، باعتباره سيكون عضوًا شيعيًا آخر في مجلس النقابة، إضافة إلى الجباوي (ممثل الفرع الثالث). ولعلّ الأهم في فوز المهندس سنان هو قدرته على جمع حوالي 500 صوت من مختلف الطوائف، عدا عن أصوات التجمّع التي قدّرت بحوالي 920، ما يؤكّد أنّ اختياره كان خيارًا نقابيًا وليس طائفيًا أو حزبيًا.
هذه الأرقام تعبّر عن معادلةٍ جديدة قوامها أنّ «التجمع الإسلامي للمهندسين» يمتلك القوة التجييرية الأكبر والرافعة الانتخابية الأهم التي تؤثّر بشكلٍ فاعل وكبير على موازين الربح والخسارة في نقابة المهندسين، وهو ما تؤكّده الأرقام مجددًا في مقاربة توزيع أصوات المهندسين من الطائفة الشيعية. إذ بلغ عدد المهندسين المقترعين الذين سجلوا حضورهم على طاولة التجمع نهار الانتخابات، أكثر من 920، ما يعني أنّ حركة أمل استطاعت تجيير قرابة 150 صوتًا من المهندسين الشيعة لمصلحتها، و100 مقترع كانوا مع «النقابة تنتفض»، وحوالي 100 مهندس اقترعوا بخياراتٍ مستقلة عن كلٍّ من الثنائي أو قوى الحراك. أما بالنسبة إلى أعضاء المجلس التأديبي، فقد ترك التجمّع ساحة الترشيحات، واكتفى بدعم مرشحي حركة أمل الـ 4 الذين تصدّروا الفائزين السبعة.
كما يبدو جليًّا للمتابع أنّ الظروف والضغوط والفورة المزاجية التي أنتجت الفوز الكاسح للوائح «النقابة تنتفض»، في تموز الماضي، تغيّرت، ولو أنّها حافظت على وجودها كتكتّل جديد على الساحة النقابية بحصولها على نسبةٍ أقل بقليل من تكتل الأحزاب مجتمعة. وعليه، أفرزت النتائج مع غياب التيار الوطني الحر حضور 3 قوى رئيسية في الساحة النقابية هي: التجمّع الإسلامي للمهندسين، الأحزاب مجتمعة (حركة أمل، تيار المستقبل، القوات اللبنانية والحزب التقدمي الاشتراكي)، وتكتل «النقابة تنتفض».
يبقى أنّ المهندسين يأملون تحقيق مزيدٍ من الإصلاحات في العمل النقابي بعد الضربة التي مني بها صندوق النقابة جراء حجز أمواله في المصارف، وخسارته لقيمتها الفعلية، ما أثّر على تقديمات النقابة الصحية واضطرها إلى البحث عن إيرادات جديدة عبر زيادات على اشتراكات المهندسين وعلى رسوم رخص البناء. كما يأمل المهندسون إتمام اللامركزيّة الإدارية عبر تفعيل عمل مراكز النقابة في المناطق، والتي دفعت ملايين الدولارات من أموال النقابة لإنشائها وصيانتها وتشغيلها، إلّا أن بعض القوى الحزبية، وللمفارقة من قوى الحراك المعروفة بـ«النقابة تنتفض»، منعت إجراء العملية الانتخابية في هذه الفروع، وحرمت آلاف المهندسين من الاشتراك في العمل النقابي بالتصويت لمرشحيهم.

المهندس علي إسماعيل