على طريق بعبدا قبل أيام، لم يتحمّل علي فارس، الأستاذ المتعاقد بالساعة في الجامعة اللبنانية، أن يصرخ العسكري في وجهه أو «يدفش» إحدى زميلاته. في لحظة المواجهة تلك، عزّت عليه الدنيا وودّ لو يطلق النار في صدره. «انجرحت» من المشهد، يقول: «وبالأخصّ من الاستغلال السياسي لوجع الأساتذة. وقفتنا هناك لم تكن ضدّ عمر أو زيد، إنّما كانت لحماية جامعة الفقراء، وكرامة طلابها، وأنا منهم، إذ لولا الجامعة اللبنانية لما تعلّمت ولما نلتُ الدكتوراه ولما كنت هنا أطالب بحقوقها ربما». لا يتردّد فارس في الكشف عن ظروف حياتية صعبة كوّنت وعيه في رفض الظلم «نشأت في بيت فقير. أبي وأمي فلاحان لا يجيدان القراءة والكتابة، لكنّ فضلهما في تعليمي كان كبيراً، ومنذ صغري، أخذت على عاتقي مساعدتهما وتربّيت على مقولة: ما في خير بأهلو ما في خير ببلدو. لم أترك مصلحة لم أعمل فيها، زراعة التبغ، ومختلف أشكال التجارة الخفيفة».
تلقّى فارس علومه في مدارس وثانويات رسمية والجامعة اللبنانية قبل أن يسافر إلى الخارج حيث نال الدكتوراه في الرياضيات البحتة. مع الدراسة، عمل في مطاعم ودرّس في «ليسيهات» فرنسيّة لتحصيل «خرجيّته»، ثم عاد إلى بلده ليدرّس في جامعات خاصة.
«كرمال أهلي ما بدي كون برا»، كان هذا خيار أستاذ الرياضيات الذي نال جنسية أوروبية عام 2008. أحد زملائه الأساتذة نصحه قبل 7 سنوات أن يترك البلد، فهو يحمل جنسية أجنبية ويمكن أن يجد بسهولة عملاً يوفّر له مستقبلاً مستقراً وآمناً، لكنه رفض، إذ لديه مسؤوليات تجاه أهله «أبي ثمانيني ومريض وحضوري معه ضروري».
كانت الجامعة خياره الأول والأخير منذ أن تعاقد مع كلية العلوم عامَي 2009 ـ 2010 «فليُراجعوا ملفّاتي ونصابي الذي لم ينحفض عن 500 ساعة في السنة».
يوم أُقرّ ملّف التفرّغ عام 2014، كانت مرّت 5 سنوات على تعاقد فارس مع كلية العلوم، وكان اسمه مدرجاً على لائحة المرشّحين، إلّا أنه شُطب عنوة في اللّحظة الأخيرة. بقي في لبنان ورفض السفر، لكنه ثار على الظلم مع مجموعة من زملائه الـ70 المستثنين من القرار، ورفعوا دعوى أمام مجلس شورى الدولة، بواسطة المحامي زياد بارود، علّ القضاء ينصفهم، وهكذا كان، إذ ربحوا الدعوى، لكنّ الحكم بقي قيد التنفيذ! يؤلم فارس أن يُستبعد مستحقّون ويتفرّغ أساتذة لم يكونوا قد حصلوا على دكتوراه، وأخذوا فترة استيداع قبل أن يلتحقوا بصفوفهم بعد نيل الشهادة.
يلفت فارس إلى أنّ الدفاع عن الجامعة بات إحدى «عباداته»، هو درس الرياضيات لأنه يعشق المنطق، لكنه لا يرى في كلّ ما يحصل شيئاً من المنطق. بعد كل هذا الظلم، يقول: «استويت، تبهدلت لدرجة بتّ أخسر صحتي، انفجاري في ساحة الاعتصام لم يأتِ من عبث، كنت هناك لحفظ حق ابن الفقير وابن العسكري اللذين لن يجدا ملجأ لهما غير هذه الجامعة، والآن لا أعرف إن كان اسمي موجوداً في قرار التفرّغ الجديد، الله بيعرف».