تجاهر بعض المدارس الخاصة بأقساط غير منطقية للعام الدراسي 2022-2023، فيما تهيّئ مدارس أخرى الأهالي نفسياً «لزيادة كبيرة على الأقساط لا بد منها» في العام المقبل. وأمام استفحال الأزمة الاقتصادية، لم يعد بإمكان المدارس الكبيرة و«المعروفة» أن تجمع الطبقات الاجتماعية المختلفة، كما كانت سابقاً. فهل ستصير حكراً على الطبقة المخملية؟قد يظنّ البعض أن هذه المدارس وُجدت أصلاً لأولاد الأغنياء، وهذا غير صحيح. فكما كانت تضمّ أولاد النواب والوزراء والسفراء ورجال الأعمال، كان لأولاد الطبقة الوسطى مكان فيها: أبناء موظفي الدولة في المؤسسات الإدارية والعسكرية والقضائية والتعليمية، وأولاد الأطباء والمهندسين والمحامين والإعلاميين والصحافيين والأساتذة الجامعيين، وغيرهم من أبناء طبقة سحقت الأزمة الاقتصادية رواتبها، وأجبرت أولادهم على مغادرة المدرسة التي اعتادوا عليها منذ صغرهم. «من لم يغادر منهم هذه السنة، سيغادر حتماً في العام المقبل»، يؤكد وليّ أمر أربعة طلاب في مدرسة «الليسه عبد القادر» بعد ملاحظة ما يرد على المجموعة التي تضمّ أهالي الطلاب على واتساب.
تلفت رئيسة لجنة الأهل في مدرسة «الليسه الكبرى» لميا كامل إلى «حركة نزوح من المدرسة نحو مدارس ذات أقساط أرخص بدأت هذه السنة وستستمرّ بسبب عجز بعض الأهالي عن دفع الرسوم التعليمية وكلفة الباص المدرسي في حين أموالهم عالقة في المصارف أو فقدت قيمتها الشرائية مع تدهور قيمة الليرة مقابل سعر صرف الدولار». وتشير إلى «سعي اللجنة إلى الحفاظ على هذه المجموعة حتى يبقى وجه المدرسة الجميل الجامع للكثير من المستويات المعيشية».
يسأل أهالي الطلاب في مدرسة «الكلية الدولية» (IC) عن حجم الزيادة في الأقساط للعام المقبل من دون أن يحصلوا على إجابة دقيقة. إحداهم سمعت من الإدارة أن «الأقساط ستلامس الـ40 مليون ليرة مع 3500 دولار أميركي للولد الواحد». فلم تستوعب هذا الرقم الكبير، وعندما أخبرت زوجها، اقترح عليها طلب مساعدة مالية من المدرسة على شكل منح دراسية، فرفضت لأنها «لا تريد أن تربح جميلة أحد». تقف الآن أمام خيارين: إما نقل ابنتيها إلى مدرسة أخرى أو إلى بلد آخر. حالها كحال كثيرين في المدرسة ممن غادروا أو في صدد المغادرة، «هناك أشخاص كانوا من الأغنياء ولم يعد بإمكانهم دفع الرسوم التعليمية».
من لم يغادر من أبناء الطبقة المتوسطة هذ السنة سيغادر حتماً السنة المقبلة


يبحث أحمد عن مدرسة أخرى لأولاده غير المدرسة الألمانية الدولية في بيروت التي تهيئ الأهالي لزيادة كبيرة على الأقساط. هذه السنة زادت 8 ملايين ليرة ليصبح القسط حوالي 18 مليون ليرة. ومع أنها لم تحدّد ما ستكون عليه الأقساط للعام المقبل، إلا أن «المكتوب يظهر من عنوانه»، على حدّ قوله. «فالمدرسة زادت رسم التسجيل من 600 ألف ليرة إلى 3 ملايين ليرة، كما أرسلت إلينا رسائل عبر البريد الإلكتروني لتخبرنا بأسلوب حادّ عن زيادة لا بد منها على الأقساط». أثناء البحث عن مدرسة «ذات مستوى تعليمي جيد»، وجد أحمد أن هذه المدارس «المعروفة والجيدة» لا تختلف كثيراً عن مدرسة أولاده. «فمدرسة المدينة الدولية (CIS)، مثلاً، تطلب رسوماً بالدولار الأميركي حصراً، وتُراوح أقساطها بين 4500 و5000 دولار».
لمن ستبقى هذه المدارس إذاً؟ هل ستكون حكراً على الطبقة المخملية التي تدفع الأقساط من دون أن تعرف قيمتها الإجمالية ولا حجم الزيادة عليها؟