من لندن، «تخوض» ريما حميّد الانتخابات النيابية المقبلة عن دائرة الجنوب الثالثة. ابنة بيت ليف انتقلت للعيش في بريطانيا بعد زواجها، ما أعاق ترشحها مجدداً عن قضاء بنت جبيل كما فعلت في 2018 ضمن لوائح «المعارضة». في الدورة الماضية كانت المرشحة الوحيدة من القضاء. في الدورة المقبلة سجلت اسمها مندوبة لصالح لائحة «معاً نحو التغيير» المدعومة من الحزب الشيوعي اللبناني ومجموعات 17 تشرين والمستقلين. تقرّ بأن «حظوظ الفوز ضئيلة، لكن علينا أن نواجه».أحمد مراد لم يترشح أيضاً. لكنه، من منزله في عيترون وعيادته في بنت جبيل، يشرف على الحملة الانتخابية لنجله علي المرشح ضمن لائحة «معاً نحو التغيير». الأب ترشح للمرة الأولى عن «الشيوعي» عام 1972 عندما كان في سن الـ 26 في وجه «الصقور» المدعومة من كامل الأسعد. نال 3 آلاف و160 صوتاً. في 1992، نال 20 ألفاً و500 صوت. وعندما كان الجنوب دائرة واحدة عام 1992، نال مراد 20 ألفاً و500 صوت. أما في دورة 2018، فنال ألف و 44 صوتاً. التطور الطبيعي كان يقضي بارتفاع أصواته نسبة إلى ارتفاع عدد الناخبين. لكن «حزب الله وأمل هيمنا على التمثيل بالإقطاع الطائفي الذي فاق بنفوذه الإقطاع العائلي».
تجربة بنت جبيل في انتفاضة «17 تشرين» تزيد المتشائمين تشاؤماً. بعد أيام قليلة، لم يبق في منطقة صف الهوا أي أثر لحراك بنت جبيل الذي التأم منذ الساعات الأولى للانتفاضة. عاد المشهد إلى طبيعته، تتقاسمه صور شهداء حزب الله وحركة أمل وراياتهما قبالة مستشفى الاستشهادي صلاح غندور وأطلال مركز الـ 17 لجيش العدو الإسرائيلي وعملائه. لم يصمد الناشطون سوى أيام قليلة قبل أن ينسحبوا، ليس تحت ضغط التهديد من بعض العناصر الحزبية فقط، بل أيضاً بسبب «حصار جماعي» واجهوه من غالبية الأهالي. «العدو في وجهي وطائرة الاستطلاع ترصدني وأنت تتظاهر ضدي»، قيل لهم يومها، وتقال اليوم للمرشحين في وجه الثنائي.
قلة من سكان بنت جبيل ومحيطها تبقى هناك في فصل الشتاء. تحرير الجنوب لم يستعد أبناء الأرض ممن نزحوا أو هاجروا. قسم كبير من هذه القلة يتحدثون ويستعرضون لائحة طويلة من الخدمات والمشاريع التي أنجزت في المنطقة بفضل الرئيس نبيه بري ومجلس الجنوب ثم حزب الله: ثلاثة مستشفيات حكومية في تبنين وميس الجبل وبنت جبيل ومستشفى غندور، رغم إقرارهم بأن الحالات الصعبة تُحوّل إلى مستشفيات النبطية وصيدا. مدارس وآبار مياه وشبكة طرقات بين البلدات وحدائق ومراكز ثقافية (...) ساهم في إنجاز بعضها قوات اليونيفيل والكويت وإيران وقطر... لكنها كلها لم تكن كافية لتمديد إقامة معظم الأهالي إلى ما بعد العطل والأعياد. دورة نيابية أخرى يتنازع فيها المرشحون على أحقيتهم ببنت جبيل، أبرزهم - سواء من قوى السلطة والمعارضة - ينتمون إلى فئة الكادحين، فيما سلاح المقاومة خارج المنازلة «لأنها معركة خسرانة».
يقع منزل أشرف بيضون عند آخر الأوتوستراد الجديد الذي أنجز حديثاً (أقر مرسوم إنشائه عام 1964) في بنت جبيل. مبنى متواضع من ثلاث طبقات لا يشبه القصور والمباني الفارهة من حوله. لم يبدّل الأستاذ الجامعي بعدما رشحه بري لخلافة بزي سيارته المتواضعة وأثاث بيته العتيق والجدران المليئة بالآيات القرآنية والأدعية. ملّ من سماع لازمة: «كيف اختاروك؟ أنت لا تشبه نواب الحركة». بلكنة جنوبية، يتحدث كـ«الحركيين» الأوائل: «أشبه حركة الإمام موسى الصدر التي انتميت لها بالفطرة من أهلي». تهجرت عائلة بيضون بداية السبعينيات بسبب الاعتداءات الإسرائيلية، وعمل والده موظفاً في وزارة الزراعة في صور. داء الربو الذي أصاب أشرف، أعاده من صور للإقامة في منزل جده في بنت جبيل. بين 1986 و1992، أكمل دراسته الثانوية قبل أن يغادر إلى بيروت للدراسة. تلك السنوات راكمت شبكة علاقات واسعة بالمقيمين الذين يعرفون بالاسم. الفتى الذي عاد بعد التحرير دكتوراً في القانون ومسؤولاً في «أمل». لن يكون من نواب الـ«ويك إند». إقامته في الغازية (قضاء صيدا) سهّلت وجوده شبه الدائم في بنت جبيل كما ستسهل «أداء المهمة الجديدة الملقاة علي». القدرات المالية للأستاذ في جامعات خاصة لم تمكنه من شراء منزل في بيروت، وأجبرته أخيراً على نقل أولاده من مدرسة في صيدا إلى مدرسة ملاصقة لمنزله في الغازية لتوفير كلفة النقل.
يقر أشرف بيضون بأن كفاءته لم تكن كافية لتحمله إلى المجلس النيابي إلا على متن حزب نافذ


في جولاته الانتخابية، تجرأ كثر على «فش خلقهم» من أداء الحركة ونوابها في الفترة الماضية. يقول: «أتفهم غضب الناس من الحركة وسواها من الأحزاب والسياسيين. أسعى لتغيير الانطباع السائد. فكرة النائب الشخص بدنا نشيلها من راسنا». بوصلته ما أوصاه به بري عندما اتصل به وأبلغه بقرار ترشيحه: «يا ابني ما بدي شي. بدي التنظيم». لكن أعضاء بارزين في التنظيم نفسه حاربوا بيضون لأنه من خارج الحلقة النافذة، حتى إنهم لعبوا على وتر العائلية بين بزي وبيضون. علماً بأن آخر نائب من آل بيضون كان عبد اللطيف بيضون عام 1972 على لائحة الأسعد. رغم ذلك، عانى من الحكم المسبق ضده لدى حاملي شعار «كلن يعني كلن». يعتبر بأن القيادة اختارته «لأنها تريد شخصاً متواضعاً وقريباً من الناس ولديه كفاءات قانونية وتشريعية». لكنه يقر بأن كفاءته لم تكن كافية لتحمله إلى المجلس النيابي إلا على متن حزب نافذ كأمل.
في وجه بيضون، يترشح عصامي آخر هو المحامي حسن بزي. يفخر بعمله النقابي في نقابة عمال صناعة الأحذية عندما كان غالبية أبناء بنت جبيل يعملون في صناعتها. لكن حظوظ بزي المعروف في بعض الأوساط أكثر من بيضون، أقل من حظوظ الأخير ضمن الخريطة الجنوبية. العصامي الثالث الذي ينافس في القضاء، رئيس تجمع مزارعي التبغ خليل ذيب. ابن أسرة من مزارعي التبغ انضوى باكراً في الشيوعية التي تعرف إليها في مدرسة بلدته شقرا. ليست الحماسة وحدها من قادته إلى العسكر فقط، بل أيضاً عدم قدرته على دفع سبعة آلاف ليرة للحزب بدل حصوله على منحة للدراسة في الخارج. كل الجبهات عرفت ذيب من الجنوب إلى بيروت والجبل والبقاع. عند تحرير شقرا عام 1985، عاد إلى بلدته حِرفياً ومزارع تبغ، وحاول استثمار ثقافته التي تعلمها في المدرسة الحزبية، في تطوير ظروف المزارعين. يتماهى ذيب في حملته الانتخابية مع المفكر حسين مروة الذي رشحه «الشيوعي» عام 1968 عن المقعد نفسه ونال 1500 صوت. يعتمد في ماكينته على تبرعات الرفاق وعلى تحويلات نجله نمر. يخوض ذيب «معركة نمر الذي نجح بامتحان الخدمة المدنية، لكنه لم يلتحق بوظيفته بسبب التوازن الطائفي والمحاصصة. وبعد أن مل من الانتظار، قدم استقالته ولبى عرض عمل في أفريقيا».