مرّ أسبوعان على الاجتماع الرئاسي الثلاثي في قصر بعبدا، لإعطاء ردّ على اقتراح الوسيط الأميركي في ملف ترسيم الحدود البحرية مع فلسطين المحتلة عاموس هوكشتين. اللقاء خلص إلى دعوة شفهية للولايات المتحدة إلى «الاستمرار في جهودها لاستكمال المفاوضات لترسيم الحدود البحرية وفقاً لاتفاق الإطار»، فيما لم يقدّم لبنان بعد جواباً خطياً رسمياً كردّ على الاقتراح الذي سُلّم مكتوباً عبر السفيرة الأميركية في بيروت دوروثي شيا. وبحسب معلومات «الأخبار»، لا يوجد نصّ جاهز حتى الساعة، والسلطة السياسية تتهرّب من تقديم أي جواب للجانب الأميركي.
انقر على الصورة لتكبيرها

في غضون ذلك، سُجّلت أخيراً حركة لافتة لشيا التي أُوكل إليها متابعة الملف بعد تجميد هوكشتين وساطته وتأخر الرد اللبناني الخطي على اقتراحه. وبحسب المعلومات، فإن السفيرة الأميركية تسعى إلى إيجاد «مخرج» يكفل صياغة «رد لطيف» يتضمن «جواباً إيجابياً» على الاقتراح من حيث الشكل لا الأساس، ويدعو إلى تحسينه. وعزت مصادر مطّلعة الحركة المستجدة للسفيرة إلى عاملين:
الأول، يتعلق بطبيعة مَهمة هوكشتين الذي كان قد أعطى نفسه مهلة حتى موعد الانتخابات لإنجازها، علماً أن هذه «المهلة» تنتهي عملياً منتصف الشهر الجاري، مع انصراف الجميع نحو الاهتمام بالحملات الانتخابية.
الثاني، بدء شركة «إنرجين» اليونانية الملتزمة بأعمال التنقيب والاستخراج في حقل كاريش إجراءاتها لاستقدام باخرة التنقيب FPSO. وفي معلومات «الأخبار»، انطلقت بالفعل سفن الجرّ لسحب الباخرة من سنغافورة إلى الأراضي المحتلة، وهي ستصل إلى المياه السنغافورية بحلول العاشر من الجاري، ويُفترض أن تستغرق رحلة سحب الباخرة إياباً إلى كاريش نحو ستة أسابيع، وهو ما يفسر محاولة السفير الأميركية الحصول على الرد اللبناني قبل وصول باخرة التنقيب لتتمكّن من العمل مباشرة.
والمشكلة التي تحاول السفيرة الأميركية تجاوزها تتعلق بطبيعة الرسالة التي رفعها لبنان إلى الأمم المتحدة مطلع شباط الماضي، وفُسّرت بأنها تعتبر حقل «كاريش» منطقة متنازعاً عليهاً. وهذا ما يعيق عمل الشركة اليونانية التي تريد تطمينات بعدم تعرّض عملها لأي خطر من الجهة اللبنانية، ليس أمنياً أو عسكرياً فقط، بل أيضاً عدم مقاضاتها أمام محاكم دولية على خلفية اعتبار الحقل متنازعاً عليه.
عملياً تطالب الشركة اليونانية بـ«مبرّرات تقنية» تحرر عملها. وهو ما تعمل عليه شيا بالضبط، لأن أي رد لبناني يتسم بـ«شكل إيجابي» سيُعدّ تخلياً رسمياً لبنانياً عن مضمون الرسالة المودَعة لدى الأمم المتحدة. لذلك تجد السلطة السياسية نفسها في حالة إحراج، فأيّ موقف يفيد بالتخلي عن رسالة لبنان إلى الأمم المتحدة سيتسبب بمشكلة سياسية داخلية كبيرة. لذلك، لجأت إلى المماطلة في الرد، ما يُبقي على وساطة هوكشتين من جهة، ويمنع الانفجار الداخلي من جهة أخرى.
هل تراجع الجيش عن الخط 29؟
إلى ذلك، يُنقل عن أوساط قصر بعبدا، أن الوفد العسكري التقني المفاوض، في آخر لقاء عقده مع رئيس الجمهورية ميشال عون، تخلّى عن مطالباته بالخط 29، واقترح خطاً بديلاً تطرّقت إليه «اللجنة التقنية» المصغّرة التي عُقدت في بعبدا لدرس اقتراح هوكشتين.
وتشير وثائق الخرائط إلى وجود هذا الخط في الأوراق الرسمية اللبنانية، تحديداً خريطة المكتب الهيدروغرافي البريطاني UKHO التي قُدمت كدراسة إلى الحكومة اللبنانية عام 2011. ويظهر في الخريطة أن الدراسة تضمّنت 5 خطوط هي:
- الخط الرقم 1 الذي رسمه العدو الإسرائيلي
- خط هوف
- الخط الرقم 23
- خط أحمر سُمّي Point B
- خط بُني سُمّي Point A وهو الخط الذي سُمي لاحقاً بالخط 29، واعتمدته قيادة الجيش.
لبنان يماطل في إعطاء ردّ رسمي مكتوب على اقتراح الوسيط الأميركي


وبحسب المعلومات فإن الخط المشار إليه خلال اجتماع بعبدا، هو Point B، والذي يمنح نصف تأثير للحجم الصغير لصخرة تخيليت التي يزعم العدو أنها جزيرة، واتخذها منطلقاً للخط رقم 1، بعدما منحها تأثيراً كاملاً، فيما لم يعطها الجانب اللبناني أيّ تأثير، ما خوّله رسم الخط 29.
الفرضية قامت على مبدأ الاقتراح وليس التبني، بمعنى أنه إذا تعذّر على السلطة السياسية السير بالخط 29، يمكنها الذهاب نحو خط (Point B) كخيار أفضل من تبني الخط 23 الذي قلّلت من شأنه دراسة المكتب البريطاني، وهو ما يمنح لبنان كامل حقل قانا إضافة إلى كامل الخط رقم 23 وفقاً لما يريده رئيس الجمهورية، وبالتالي، يبعد البلوك الرقم 8 عن كل التأثيرات السلبية التي وردت في اقتراح هوكشتين. وتضمّن الاقتراح منح لبنان الخط 23، لكن مع قضم جزء من «حقل قانا»، قبل أن ينحني أمامه بشكل مائل باتجاه «خط هوف»، ويقضم قسماً من البلوك الرقم 8، ما يجعله هجيناً بين الخطين 23 و«هوف».