ليس من واجب الطبيب قانوناً أن يحقّق الشفاء للمريض بل ينحصر واجبه في مجرّد بذل العناية لتحقيقه، عبر مراعاة القواعد الطبية الحديثة في إطار ما يلتزمه الأطباء ذوو الكفاءة والخبرة المتوسطة في الميدان نفسه من دون ارتكاب أي إهمال أو خطأ. كلّ إخلال بهذه العناية يعرّضه للمسؤولية الجزائية والمدنية في حال تم إثباته وفق الأصول القانونية. وقد أكدت المادة 28 من القانون 240/2012 (تعديل قانون الآداب الطبية) على عدم التزام الطبيب بموجب نتيجة معالجة المريض بل بموجب تأمين أفضل معالجة مناسبة له إلا أنها أكدت في المقابل على أنه يترتب على الطبيب أن يقوم بالتشخيص والعلاج اللازمين وفقاً للمعطيات العلمية الحديثة وأن يسهر على متابعة تنفيذ العلاج بعد إعطائه وتحديده للعلاج الواجب اتباعه.
(هيثم الموسوي)


القانون لا يشترط إذن النقابة
حين يثبت وجود خطأ طبي، من الواجب أن يُلاحق الطبيب عن فعله جزائياً، مدنياً ومسلكياً، إلا أن الملاحقة الجزائية تصطدم أحياناً بالمادة 44 من قانون نقابة الأطباء رقم 313 تاريخ 6/4/2001 التي تنص على أنه «عند ملاحقة الطبيب جزائياً، للنقابة أن تبدي رأيها العلمي خلال خمسة عشر يوماً حول ما إذا كان الجرم المدعى به ناشئاً عن ممارسة المهنة، وفي هذه الحالة يجري استجواب الطبيب الملاحق بحضور نقيب الأطباء أو من ينتدبه لهذه الغاية»، علما أنه لا يجوز التوقيف الاحتياطي للطبيب الملاحق بجرم ناشئ عن ممارسة المهنة قبل أن تبدي النقابة رأيها ضمن مهلة الخمسة عشر يوماً.
لكن محكمة التمييز تعتبر أن تحريك الدعوى العامة لا يعلق على جواب نقابة الأطباء أو موافقتها في حال كان الجرم المنسوب إلى الطبيب ناشئاً عن ممارسة المهنة، وبالتالي إن القانون لم يشترط الاذن من النقابة لأجل ملاحقة الطبيب جزائياً وليس هناك من قيد على تحريكها هذا. في المقابل، فإن المشرع منح الطبيب الحق في الاستفادة من حضور مندوب عن نقابة الأطباء جلسة استجوابه واشترط عدم حصول التوقيف الاحتياطي قبل مرور مهلة الخمسة عشر يوماً الممنوحة للنقابة لإبداء رأيها، (قرار محكمة التمييز 376/2012).

بين الخطأ والقصد
الأخطاء الطبية التي تفضي إلى الوفاة أو الإيذاء ليست عملاً مقصودا ًوإنما كما يعبّر عنها اسمها هي «خطأ» يندرج تحت عنوان «القتل والإيذاء عن غير قصد» المنصوص عنها في المادة 564 وما يليها من قانون العقوبات. فمن تسبب بموت أحد عن إهمال أو قلة احتراز أو عدم مراعاة القوانين أو الأنظمة يُعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات. وإذا لم ينجم عن خطأ المجرم إلا ايذاء تسبب بمرض وتعطيل عن العمل لأكثر من عشرين يوماً أو بعاهة دائمة أو بإجهاض حامل، حدد العقاب من شهرين الى سنة ويعاقب على كل ايذاء آخر غير مقصود بالحبس ستة أشهر على الأكثر أو بالغرامة فضلاً عن التعويض المادي الذي يقرره القضاء.

دور النقابة وأسباب التشكيك
يفترض أن تثبت الصلة السببية بين الضرر وفعل الطبيب أو إهماله لكي تتحقق مسؤوليته. وهنا يبرز دور نقابة الأطباء عبر لجنة التحقيقات المهنية التي تتولى درس الأمور والنزاعات الناشئة بين الأطباء، أو بينهم وبين مرضاهم والمحالة إليها من النقيب أو من المجلس. تتألف اللجنة من رئيس وعضوين ينتخبهم مجلس النقابة من بين أعضائه سنوياً. وعليها أن تجري التحقيقات اللازمة عند الاقتضاء وأن ترفع تقريرها إلى مجلس النقابة. ولها أن تستعين عند الحاجة وعلى سبيل الخبرة، بالأطباء والأساتذة الجامعيين وبالمستشار القانوني للنقابة.

المادة 2 من قانون الآداب الطبية المعدل 240/ 2012

رسالة الطبيب تتمثل في المحافظة على صحة الانسان الجسدية والنفسية وقائياً وعلاجياً، وإعادة تأهيله والتخفيف من آلامه ورفع المستوى الصحي العام


من جهة أخرى يمكن لنقابة الأطباء عبر مجلسها التأديبي تطبيق العقوبات اللازمة على الطبيب المرتكب بدءاً من التنبيه أو اللوم أوالتوقيف المؤقت عن العمل ومنع مزاولة المهنة لمدة لا تتجاوز الستة أشهر، وصولا إلى المنع من ممارسة مهنة الطب نهائياً. وما تقتضي ملاحظته عبر متابعة الدعاوى ذات الصلة بالأخطاء الطبية أن القضاء لم يكن يكتفي أو يستند إلى لجنة التحقيقات المهنية وحدها التي غالباً ما اعتبرها المرضى أو ذووهم منحازة إلى الطبيب، أو أن العمل الانتخابي للنقابات المهنية يطغى على عملها الرقابي، خاصة إذا ما علمنا أن المجلس التأديبي يتألف من النقيب أو من نائبه رئيساً ومن عضوين من مجلس النقابة وعضوين تنتخبهما الجمعية العمومية لمدة ثلاث سنوات. وكذلك لجنة التحقيقات المهنية التي تُنتخب أيضاً، ففي الوقت الذي يكون دور نقابة الأطباء الدفاع عن الأطباء يقتضي أن يتوازن هذا الدفاع مع مبدأ إحقاق الحق فالنقابة ليست محامياً مكلفاً بالدفاع عن الطبيب المرتكب ولا يمكن أن تكون غايتها حماية المرتكب، فمن واجبات الطبيب نحو المريض تحديث معطياته العلمية، فإذا قبل الطبيب معالجة مريض، ينبغي أن يلتزم بتأمين استمرار معالجته بكل دقة وضمير حيّ ووفقاً لأحدث المعطيات العلمية التي ينبغي أن يكون قد تابع تطورها عملاً بنص الفقرة 2 من المادة 27 من قانون الآداب الطبية المعدّل.
مع الإشارة إلى أن القانون يلزم المجلس التأديبي بأن يصدر قراره خلال شهرين من تاريخ الشكوى، وإذا خالف ذلك يحق لكل من النقيب والنيابة العامة أن ينقل القضية إلى محكمة الاستئناف.
يقع عبء إثبات الخطأ الطبّي على عاتق المتضرّر عبر إثبات خطأ الطبيب أو إهماله ما يدفع بالقضاة إلى الاستعانة بخبراء طبيين وهذا ما تفعله دائماً المحاكم المختصة عبر الاستعانة بخبير من أهل المهنة او تكليف لجنة من الخبراء. وقد نصت المادة 41 من قانون الآداب الطبية المعدّل، أن على الطبيب المكلف بمهمة خبير أن يعلن للشخص المكلف بمعاينته عن صفته ومهمته قبل المباشرة بالمعاينة، وعليه أيضاً أن يعتزل المهمة فوراً إذا لاحظ أن الأسئلة المطروحة عليه تخرج عن نطاق مهنته الطبية. وعليه أن يقتصر في تقريره على الإجابة على الأسئلة المطروحة، وألا يتعرض لأمور قد تظهر له بمناسبة القيام بمهمته، إذا كانت خارجة عن نطاق هذه المهمة، إلا إذا قدّر أن السكوت عنها يسيء إلى سير العدالة. ويُعفى الطبيب الخبيرمن واجب السرية المهنية، حين يُدعى من المحكمة بصفة خبير لمعاينة مريض أو لدراسة ملفه، وذلك في حدود المهمة المكلف بها.

حين يثبت وجود خطأ طبي، من الواجب أن يُلاحق الطبيب عن فعله جزائياً، مدنياً ومسلكياً


كما يحق للقاضي المحقق أو للشرطة القضائية تفتيش عيادة طبيب أو قسم طبي ووضع اليد على مستندات طبية بحضوره وبحضور أحد اعضاء مجلس النقابة. ولا يحق عندئذٍ للطبيب أن يعارض إجراءات التفتيش وفقاً لنص الفقرة 7 من المادة 29 من قانون الآداب الطبية 2012.
يحق لكل مريض يتولى أمر العناية به طبيب أو مؤسسة صحية، أن يحصل على المعلومات الكاملة حول وضعه الصحي. وتشمل هذه المعلومات: الفحوصات، والعلاجات، والعمليات الطبية المقترحة، كما تشمل منافعها ومضاعفاتها السلبية، والمخاطر المعهودة أو الكبرى التي تنطوي عليها، والحلول الأخرى الممكنة، فضلاً عن النتائج المتوقعة في حال عدم إجرائها. ويقتضي في حال طرأت لاحقاً معطيات جديدة تستدعي اتخاذ قرارات جديدة، إعلام المريض بها ايضاً، عند الإمكان.

يحق للقاضي المحقق أو للشرطة القضائية تفتيش عيادة طبيب ووضع اليد على مستندات طبية بحضوره وبحضور أحد أعضاء مجلس النقابة


لا يجوز القيام بأي عمل طبي، ولا تطبيق أي علاج، من دون موافقة الشخص المعني المسبقة، إلا في حالتي الطوارئ والاستحالة. ويجب أن تعطى هذه الموافقة بوضوح، أي أن تسبقها جميع المعلومات الضرورية، كما يجب أن يقررها المريض بحرية ويتمكن من التراجع عنها ساعة يشاء. كذلك، يجب أن تجدد هذه الموافقة من أجل أي عمل طبي جديد لم يكن ملحوظا مسبقاً، إلا في حالتي الطوارئ والاستحالة.
يكون التعبير عن هذه الموافقة خطياً للعمليات الجراحية الكبيرة. ويمكن إخضاعها لشروط اضافية في حالات معينة، كوضع الحد طبياً للحمل، واستئصال الأعضاء وزرعها، والمساعدة الطبية على الإنجاب، والمشاركة في الأبحاث السريرية.
ويستطيع أي شخص مريض أن يرفض عملاً طبياً أو علاجاً معيناً، كما يستطيع أن يوقف هذا العلاج على مسؤوليته الخاصة. والطبيب ملزم باحترام هذا الرفض، بعد ان يكون قد أعلم المريض بعواقبه، ولذلك يستطيع أن يقترح هو نفسه على المريض استشارة طبيب آخر. أما في حال رأى أنه لا يستطيع ان يؤمن العناية الطبية اللازمة وفقا للشروط التي يحددها المريض، فيمكنه أن يطلب من هذا الأخير أن يعفيه من مسؤولياته.



القانون يحمي المرضى
القانون رقم 574 المتعلق بحقوق المرضى والموافقة المستنيرة الصادر في العام 2004 أعطى المريض خمسة حقوق:
• الحق في العناية الطبية
• الحق في الحصول على المعلومات
• ضرورة الموافقة على العمل الطبي
• في احترام الحياة الشخصية وسرية المعلومات المتعلقة بها
• الحق في الاطلاع على الملف الطبي