حتى أواخر القرن التاسع عشر، كان أهالي بلدة الوردانية يقيمون في بلدة سبلين المجاورة ويعملون في الأراضي الزراعية التي آلت ملكيتها لاحقاً إلى الست نظيرة جنبلاط. بحسب حسين جابر، أحد أبناء البلدة، كان آل البيدر المسيحيون من أولى عائلات الوردانية التي عادت إلى مسقط رأسها وشيّدت أول منزل في البلدة التي كانت تلالاً مهجورة. بعدها، تدريجياً، عاد غالبية أهالي الوردانية إليها من سبلين. أما القلة التي بقيت، فقد استفادت من برنامج «توزيع الأراضي على الفلاحين» الذي طبّقه كمال جنبلاط، قبل أن يتبعه بإنشاء معمل سبلين ضمن برنامج «العمل التعاوني الاشتراكي». توطّدت علاقة جنبلاط الخاصة مع الوردانية بمساع من أصدقائه من وجهاء آل بيرم الذين قادوا الغالبية الساحقة من أبناء العائلة إلى الخندق الجنبلاطي. فيما والى آل الحاج، بمعظمهم، الرئيس كميل شمعون، جارهم في السعديات، الذي جذبهم وكثيرين من أهالي قرى الإقليم بـ«الكاريزما» والخدمات والتوظيفات. فيما جذب جنبلاط آخرين بالخطاب التقدمي والعروبي في الإقليم المسلم المنجذب إلى المدّ الناصري. ثورة العام 1958 ضد شمعون وأحلافه، صبت في صالح جنبلاط، بحسب عضو الحزب الشيوعي اللبناني مصطفى مصطفى. الأخير كان يومها من ضمن مجموعة شبان الوردانية في حركة القوميين العرب الذين نظموا تظاهرة مؤيدة لثورة العراق ومناهضة لشمعون. بعض ناشطي الحركة انضوى تحت جناح «التقدمي الاشتراكي» لأنه «لبى طموحاتهم العقائدية العلمانية والوطنية والعروبية». لكن التنافس الشمعوني - الجنبلاطي بقي قائماً لسنوات بين أكبر عائلتين في الوردانية. بدأ التحول نهاية الستينيات مع تبلور حركة السيد موسى الصدر وإنشاء المجلس الشيعي الأعلى، وتوسعت لاحقاً مع تأسيس حركة المحرومين. أول الملتحقين بركبه، «كانوا رموز الشمعونية من آل الحاج» بحسب مصطفى. مع بداية الحرب الأهلية والتمترس الطائفي والمناطقي، تخلى كثيرون من الوردانيين عن الشمعونية «حتى لم يعد يجرؤ أحد على النطق باسمها لا سيما مع سقوط البلدة تحت الإدارة المدنية للاشتراكي التي جعلت البعض أيضاً ينفر من التقدمي نفسه» وفق جابر. إلا أن التحالف التاريخي بين وليد جنبلاط ورئيس حركة أمل نبيه بري، أبقى الوردانية وجون والجية في «ملاك التقدمي»، في التوظيفات والمشاريع كما في الانتخابات. ويوضح جابر أن هذا التوافق «أنتج بلدية جنبلاطية بغالبية شيعية في زمن الحرب والسلم. كما جيّر 750 صوتاً تفضيلياً من أصل 1300 للنائب نعمة طعمة بخلاف الاتفاق الذي قضى بتفضيل وئام وهاب في انتخابات 2018». هذا بات من الماضي. إذ يُتوقع في الانتخابات النيابية المقبلة مشهد مماثل للانتخابات البلدية عام 2016، عندما خسرت للمرة الأولى لائحة الاشتراكي برئاسة حسين بيرم مقابل لائحة حزب الله. بيرم «الاشتراكي» الذي حجز البلدية طوال ثلاثين عاماً، وكرّمه الاشتراكي في 2015 بمنحه «ميدالية الشهيد كمال جنبلاط» هو نفسه نموذج عن التحول الورداني. إذ اختار حزب الله ابنه البكر مصطفى وزيراً للعمل في الحكومة الحالية.
الخوف الأكبر هو من تكرار الاتفاق الضمني بين جنبلاط وبري في الانتخابات الماضية

في الانتخابات الماضية، كان حزب الله أحد الطباخين الرئيسيين في دائرة الشوف - عاليه. دعم كلاً من لائحة «ضمانة الجبل» التي ضمّت التيار الوطني الحر والنائب طلال إرسلان ولائحة «الوحدة الوطنية» برئاسة وئام وهاب، في وجه لائحة «المصالحة» التي ضمّت التقدمي والقوات اللبنانية. المواجهة أدت إلى فوز لائحة التيار - إرسلان بأربعة مقاعد من أصل 13. فيما خسر اللواء علي الحاج الذي عزف عن الترشح مجدداً لاعتبارات عدة، منها أن «الصوت التفضيلي مادة للخلاف ضمن اللائحة الواحدة».
لا يزال وهّاب وأعضاء لائحته حتى اليوم يحمّلون مسؤولية الخسارة المدوية لفريق 8 آذار. فهل «يفعلها» وهاب هذه المرة؟
حتى الآن، لم يحسم رئيس تيار التوحيد بعد الشكل النهائي للائحته. تؤكد أوساطه لـ«الأخبار» أنه يبحث مع العونيين وإرسلان في تحالف «يؤمن فوزاً أكبر لعدم تكرار خطأ الانتخابات الماضية». وفي انتظار أن يحسم خوض المعركة بلائحة مستقلة أو مشتركة مع العونيين وإرسلان، ينشط مكتب تيار التوحيد العربي في شحيم، عرين الجنبلاطية، في توزيع الدواء والمساعدات في مقر مستأجر من آل شعبان، حلفاء نائب «التقدمي» بلال عبدالله الذي ترشّح قريبه إبراهيم عبدالله ويحتمل أن يحظى بدعم 8 آذار مع زميله أحمد نجم الدين.
لكن الخوف الأكبر يبقى من تكرار الاتفاق الضمني في الانتخابات الماضية بين جنبلاط وبري بتجيير نسبة من الأصوات الشيعية البالغ عددها أكثر من 8 آلاف. وفي هذا السياق، انتشرت صورة ليافطة رفعت في بلدة مزرعة الشوف موقّعة باسم «شباب تيمور وليد جنبلاط» خُطّ عليها «مع الوليد والنبيه». علماً بأن ماكينات الاشتراكي تقرّ بالمأزق المحدق بجنبلاط، وينشط مسؤولوه في الشوف لحث الناخبين على حصر توزيع الصوت التفضيلي بين مروان حمادة وتيمور جنبلاط، لا سيما بعد انكفاء نعمة طعمة عن المعركة، على أن يوزع فاضل أصواته، في حال توافرت، للمرشحة عن المقعد الماروني حبوبة عون، إرضاء لأهالي الدامور والدبية.
من بين الخاسرين في 2018 المرشح عن أحد المقعدين السنيين في إقليم الخروب إلياس البراج الذي امتنع عن الترشح للانتخابات المقبلة. ابن برجا، اليساري العتيق، خلص من التجربة الماضية إلى أن «عيوب قانون الانتخاب الحالي ستنتج الطبقة الحاكمة نفسها، لا سيما في ظل تفاوت الإمكانيات بين المرشحين من قوى السلطة والمرشحين المستقلين». فهو رغم نشاطه الأهلي والاجتماعي منذ التسعينيات، «لم أصنع وزناً في المعارك الكبيرة»، آسفاً لفشل طموحه في إنشاء «لقاء وطني في الإقليم بين حزب الله ووهاب والقوى الوطنية انطلاقاً من نتائج الانتخابات. لكن لا أمل في كل الساحات والطوائف». مع ذلك، يعلق «الأمل الأخير على التغييريين النظيفين الوطنيين الذين يمكنهم صنع الفرق في حال توحدوا». يأس البراج يقابله أمل لدى آخرين بالخرق. حراك الإقليم ومنظمة الحزب الشيوعي اللبناني في برجا رشحا عماد سيف الدين عن أحد المقعدين السنيين، وهو يبحث عن «لائحة نظيفة من بين لوائح المعارضة».