في العام 1983 قررت الحكومة إصدار مرسوم اشتراعي لتعديل أحكام تأليف لجان تخمين منطقة الوسط التجاري في مدينة بيروت بقصد تعميره. حينذاك فقط قررت التفكير في المفقودين، فقط لجهة كيفية إبلاغهم بقرارات التخمين الصادرة عن لجان التخمين، فقررت بموجب المادة 4 من المرسوم الاشتراعي 18/1983 بأن التبليغ يتم بواسطة النشر في صحيفتين يوميتين، وتنشر بياناً بذلك يلصق على باب وزارتي الداخلية والأشغال العامة والنقل على أن تسري وسيلة التبليغ هذه بحق المفقودين والغائبين.في العام 1995 عالج مجلس النواب الأصول الواجب اتباعها لإثبات وفاة المفقودين بموجب القانون رقم 434 تاريخ 15/5/1995، عبر تعديل قانون تنظيم القضاء الشرعي السني والجعفري وقانون الإرث لغير المحمديين، إنْ لجهة الاختصاص القضائي للنظر بدعاوى الحكم بوفاة الغائب، وإنْ لجهة الاحكام الشرعية أو القانونية الوضعية التي تحكم مسألة المفقود لدى الطوائف الإسلامية وغير المحمدية، وكذلك لجهة مدة الغيبة التي يحكم بانقضائها بوفاة الغائب، بتحديدها بأربعة أعوام هجرية على الأقل (للطوائف المحمدية) وأربع سنوات ميلادية (للطوائف غير المحمدية).
كما عالج القانون مسألة فقدان موظفي الدولة، حيث نص على أنه إذا فقد الموظف وانقطعت أخباره واختفت آثاره أثناء الخدمة، صُرِفت رواتبه لأصحاب الاستحقاق المنصوص عليهم في قانون التقاعد حتى أقرب التاريخين: بلوغه سن التقاعظ أو انقضاء عشر سنوات على فقدانه المقرر قضائياً من قبل القضاء المختص.
ولكن لم تكن المقاربة القانونية تعالج مسألة العثور على المفقودين والمخفيين، بل مجرد كيفية تسيير أمور المفقودين قانونياً ومادياً تجاه ذويهم.

في القانون الدولي
في العام 1997 انضم لبنان إلى اتفاقية البروتوكولين الإضافيين إلى اتفاقيات جنيف لحماية ضحايا الحرب بموجب القانون 613/1997 وتنص المادة 32 منها على إرساء المبدأ العام بأن حق كل أسرة في معرفة مصير أفرادها هو الحافز الأساسي لنشاط كل من الأطراف السامية المتعاقدة وأطراف النزاع والمنظمات الإنسانية الدولية الوارد ذكرها في الاتفاقيات. وتلزم الاتفاقية عينها كل طرف في نزاع، تسهيلاً لجمع المعلومات حول المفقودين وتسجيل المعلومات اللازمة عن الأشخاص الذين اعتقلوا أو سجنوا أو ظلوا لأي سبب آخر في الأسر مدة تتجاوز الأسبوعين نتيجة للأعمال العدائية أو الاحتلال، أو عن أولئك الذين توفوا خلال فترة اعتقالهم، وكذلك بتسهيل الحصول على المعلومات على أوسع نطاق ممكن عن هؤلاء الأشخاص وإجراء البحث عنهم عند الاقتضاء وتسجيل المعلومات المتعلقة بهم إذا كانوا قد توفوا في ظروف أخرى نتيجة للأعمال العدائية أو الاحتلال. ويتعهد الموقعون على الاتفاقية أن يسعى أطراف النزاع للوصول إلى اتفاق حول ترتيبات تتيح لفرق أن تبحث عن الموتى وتحدد هوياتهم وتلتقط جثثهم من مناطق القتال، بما في ذلك الترتيبات التي تتيح لمثل هذه الفرق، إذا سنحت المناسبة، أن تصطحب عاملين من لدن الخصم أثناء هذه المهام في مناطق يسيطر عليها الخصم. ويتمتع أفراد هذه الفرق بالاحترام والحماية أثناء تفرغهم لأداء هذه المهام دون غيرها.

أربع مبادئ أساسية
في العام 2018 أصدر مجلس النواب أول تشريع قانوني جدي لمعالجة هذه المسألة من الناحية التشريعية عبر قانون المفقودين والمخفيين قسراً (القانون رقم 105 تاريخ 30/11/2018)
وتضمّن مبادئ أربعة:
1- حق المعرفة لأفراد الأسر والمقربين في معرفة مصير أفرادها وذويها المفقودين أو المخفيين قسراً وأمكنة وجودهم أو مكان احتجازهم أو اختطافهم، وفي معرفة مكان وجود الرفات واستلامها. يشمل هذا الحق أيضاً، تحديد مواقع أماكن الدفن وجمع الرفات ونبشها وإجراء الكشف عليها والتعرّف إلى هوياتها.
2- حق الاطلاع: لأفراد الأسر، وفي حال غيابهم، للمقرّبين الحق في الاطلاع على المعلومات المتصلة بتقفي آثار المفقودين والمخفيين قسراً، والتحقيقات غير الخاضعة للسرية قانوناً، والتي من شأنها تحديد مصيره، وذلك ضمن الآليات المحددة وفق أحكام هذا القانون.
3-الحق بالتعويض: للمفقودين والمخفيين قسراً وأفراد أُسرهم الحق بالتعويضات المعنوية والمادية المناسبة التي تحدد بمرسوم يتخذ في مجلس الوزراء بناءً على اقتراح وزيري المالية والعدل المُسند إلى توصية الهيئة، وذلك خلال سنة من نفاذ هذا القانون، ولا يؤثر هذا التعويض على حق المفقودين والمخفيين قسراً وأفراد أُسرهم بالمطالبة بتعويضات عن العطل والضرر وفق أحكام القانون العام. ولكن هذا المرسوم لم يصدر بعد رغم مرور عامين على تشكيل الهيئة.
لم تعالج المقاربة القانونية مسألة العثور على المفقودين والمخفيين بل اقتصرت على تسيير أمور المفقودين قانونياً ومادياً تجاه ذويهم


4-موجب الإفصاح عن معلومات: على كل من يمتلك معلومات متصلة بتقفي الآثار بمن فيهم الأشخاص والهيئات والمؤسسات والسلطات والإدارات الإدلاء بها عند الاستماع إليهم من قبل الهيئة أو من قبل اللجنة الخاصة بنبش أماكن الدفن، ولا يحق لأي كان التذرع بالسرية الوظيفية.
واعتبر القانون أن التعرّف على الرفات البشرية هو التحديد القانوني للهوية استناداً إلى عملية علمية تلائم المعلومات حول الأشخاص المفقودين والمخفيين قسراً مع الرفات البشرية وفق الممارسات الجنائية الفضلى، ومعايير حماية البيانات المتوافق عليها دولياً. أما في حال ظهوره على قيد الحياة فتتم عملية تحديد الهوية طبقاً للقوانين المرعية الإجراء.




واجب التعاون
ينص القانون على موجب التبادل والتعاون بين السلطات المختصة بتبادل المعلومات المتعلقة بعملية البحث عن المفقودين أو المخفيين قسراً، وبتحديد مصيرهم وهويتهم وتقديم هذه المعلومات للهيئة. يتعين على السلطات المختصة في لبنان ومن أجل تحسين عملية البحث عن المفقودين أو المخفيين قسراً، التعاون مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر ومكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان في منظمة الأمم المتحدة والهيئة والصليب الأحمر اللبناني أو أية هيئة إنسانية أخرى وفقاً لصلاحية كل منهم. وللهيئة أن تتصل بالسلطات والأجهزة اللبنانية أو الأجنبية وتطلب منها تزويدها بالمستندات أو المعلومات التي تراها مفيدة لحسن ممارسة مهامها. وعلى السلطات والأجهزة اللبنانية المعنية الاستجابة للطلب من دون إبطاء.


الهيئة الوطنية
أنشأ القانون 105/2018 الهيئة الوطنية للمفقودين والمخفيين قسراً وهي مؤلفة من عشرة أعضاء، يعينون جميعاً بمرسوم يتخذ في مجلس الوزراء بأغلبية الثلثين لمدة خمس سنوات غير قابلة للتجديد، بناءً على اقتراح وزير العدل كما يلي:
■ قاضيان سابقان في منصب الشرف.
■ خبيران في القانون الجزائي أو قانون حقوق الإنسان أو القانون العام.
- أستاذ جامعي مختص في حقوق الإنسان أو الحريات العامة.
■ طبيب شرعي.
■ عضوان من الناشطين في حقوق الإنسان.
■ عضوان من الناشطين في الجمعيات الممثلة لذوي المفقودين والمخفيين قسراً.
على أن يراعى في اختيار الأعضاء تمثيل الجنسين.


ما العمل لدى توافر ادلّة عن مكان وجود مفقودين؟


تبلغ الهيئة النائب العام الاستئنافي المختص عن وجود أدلة لديها بهذا الشأن، والإجراءات التي ينوي اتخاذها للتثبت من وجودها وتحديد موقعها وحمايتها. وللنائب العام، على ضوء الأدلة المتوافرة لديه قبل إجراء أي تحقيق أو تبعاً لذلك، أن يقرر وضع اليد عليها وتسييجها وتعيين حارس قضائي عليها عند الاقتضاء.
يتعين على مالك أو شاغل العقار التجاوب مع أي إجراء يُتخذ وفق هذا القانون، للتقصي عن مكان الدفن أو لحراسته تحضيراً لعملية التنقيب عنه، وذلك بعد تبلغه أصولاً هذه الإجراءات.
فور وضع الهيئة يدها على مكان الدفن، تُشكل، ضمن مهلة شهر من تاريخ وضع اليد، لجنة خاصة متعددة الاختصاصات مؤلفة من خبراء جنائيين، مهمتها نبش أماكن الدفن والتعرّف على هويات الرفات المدفونة فيها، على أن تتم هذه الأعمال خلال مهلة معقولة من تاريخ تعيين اللجنة، شرط أن تتوافر الشروط الملائمة لبدء أعمال النبش.
تتألف هذه اللجنة من خمسة أعضاء، على الشكل التالي:
- ممثل لأفراد أسرة المفقودين تعيّنه "الهيئة" بناءً على اقتراح مجموعة أفراد أسرة المفقودين والمخفيين قسراً.
- خبير متخصص في التعرّف على الرفات البشرية.
- خبير قانوني تعيّنه "الهيئة".
- عضو من المجلس البلدي للبلدية المعنية.
- قاض من قضاة الحكم العاملين ويكون رئيساً حكمياً للجنة.


كيف يُقدَّم طلب تقفي الأثر؟


يُقدَّم الطلب إلى "الهيئة" من قبل أحد أفراد أسرته أو من المقربين أو من قبل أشخاص آخرين أو من جهات معنية أخرى في حال استطاعت تقديم "الحد الأدنى من البيانات" بشأن هويته. ويجوز تقديم "طلب تقفي الأثر" بخصوص غير اللبنانيين في حال وجود أسباب مقنعة تشير إلى أن الشخص غير اللبناني "الضحية" كان مقيماً في لبنان في فترة اختفائه، أو إذا كان الشخص الأجنبي حاصلاً على الإقامة المؤقتة على الأراضي اللبنانية أو لم يحصل على الإقامة، لكن معلومات موثوقة تؤكد اختفائه على الأراضي اللبنانية أو في حال استطاعت الجهة المطالبة تأمين "معلومات موثوقة" عن ظروف اختفائه في لبنان.
تعتبر كافة الطلبات المتعلقة باختفاء أي شخص كان والمقدَّمة لهيئة رسمية مختصة قبل نفاذ هذا القانون صالحة شرط أن تتضمن "الحد الأدنى من البيانات" المطلوبة.


الحبس لمن يخفي الحقيقة
يُعاقب القانون 105/2018 من سنة إلى ثلاث سنوات وبالغرامة من اثني عشر مليون ليرة لبنانية إلى خمسة عشر مليون ليرة لبنانية:
1 ـ كل من عبث بمكان الدفن أو نبشه بقصد تبديد أدلة تحديد هوية المفقودين المدفونين فيه.
2 ـ كل من عرقل عمل الجهات المعنية بتقفي آثار المفقودين في أداء مهمتها في البحث والتنقيب عن أماكن الدفن أو امتنع عن تمكينها من أداء مهمتها.
كما يعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى سنتين وبالغرامة من مليون حتى عشرة ملايين ليرة لبنانية:
1 ـ كل من يمنع النفاذ إلى المعلومات لفرد من "أفراد الأسر" أو "للهيئة".
2 ـ كل من يتسبب من دون أي مبرر بعرقلة إتاحة المعلومات المطلوبة لفرد من "أفراد الأسر" أو "للهيئة".
3 ـ كل من يعطي عن قصد معلومات خاطئة تؤدي إلى تضليل عملية تقفي أثر المفقود أو المخفي قسراً أو عرقلتها.
4 ـ كل من يعرّض أي شخص للمسؤولية الجزائية أو للتهديد أو لأي شكل من أشكال الترهيب لمجرد أنه يسأل عن مصير مفقود أو مخفي قسراً أو مكان تواجده.
ولا تنقص هذه العقوبة عن سنة حبس وخمسة ملايين ليرة لبنانية كغرامة في حال إعطاء معلومات خاطئة، أو ثبوت إساءة استعمال هذه المعلومات أو التلاعب بها. وتُخفض هذه العقوبة إلى الربع في حال بادر الشخص المعني إلى الإفصاح عن المعلومات التي بحوزته خلال مهلة شهر من تاريخ تقديم شكوى جزائية ضده.
وكل من أقدم بصفته محرضاً أو فاعلاً أو شريكاً أو متدخلاً في جرم الإخفاء القسري، يعاقب بالأشغال الشاقة من خمس سنوات إلى خمس عشرة سنة وبالغرامة من خمسة عشر مليون ليرة لبنانية حتى عشرين مليون ليرة لبنانية.

* يمكن الإطلاع على الدليل حول القانون 105/2018 على موقع الصليب الأحمر الدولي www.icrc.org