في 17 تشرين الأول 2019، لم تنتفض محافظة عكار عن بكرة أبيها، يوم امتلأت الساحات بالمطالبين بالثورة والتغيير. اقتصرت الحركات الاحتجاجية على ساحة حلبا و«خيمة الثوار» التي نُصبت فيها وجمعت، بداية، عدداً من الأحزاب الوطنية، قبل أن يقتصر روادها بعد شهور على بعض المخلّين بالأمن وفارضي الخوات، وتتحوّل «ثورة عكار» إلى قطع الطرق الرئيسية المؤدية الى المحافظة، وإجبار المؤسسات الرسمية والمدارس على الإقفال، ما أثار نقمة المواطنين على «الثوار». وهي نقمة فاقمها هؤلاء خلال أزمة المحروقات الصيف الماضي عندما عمدوا إلى الاستيلاء على صهاريج المحروقات ومصادرتها، ما أثّر على المؤسسات الرسمية والاستشفائية في المحافظة، ودفع بفاعلياتها إلى إصدار بيانات استنكار.في موسم الانتخابات، يحاول الجميع، «ثوّاراً» و«راكبي ثورة» ومن التحقوا بهم متأخرين، «تقريش» الحراك أرقاماً انتخابية وحواصل، ما أدّى إلى تشتّتهم رغم وحدة أهدافهم «الثورية» في محاربة المنظومة الحاكمة، وخصوصاً بعدما نخرت فيهم منظمات «المجتمع المدني» مكبّرة أحجام بعضهم أضعافاً. وزاد الأمور سوءاً، أخيراً، دخول بهاء رفيق الحريري على خط «الثورة» و«الثوار». فقبل ثلاثة أشهر، افتتح الحريري، مع إطلاق «حركة سوا للبنان» أول مكاتب الحركة في عكار، «نظراً إلى رمزيتها وأهميتها وتأكيداً على أنها في قلب الوطن». كلام لم يترجم سوى بمساعدة مادية لثلاثة مستوصفات (خمسة آلاف دولار لكل منها) أثارت غضباً على مواقع التواصل، بعد اقتطاع ممثلي «سوا» في عكار ألف دولار من كل مساعدة... لتمويل «الثورة»! فيما عجزت «الحركة»، منذ افتتاح مكتبها، عن تنظيم لقاء شعبي واحد، أو في استقطاب أي من المفاتيح الانتخابية الأساسية.
حتى الآن، تمخّضت «الثورة» في عكّار عن خطوة فعلية وحيدة تمثّلت بإعلان الائتلاف الانتخابي لـ«قوى التغيير والثورة في عكار» (يضم: «ثوار الأرض»، «حزب 10452»، «اللقاء المدني للتغيير»، «جبهة 17 تشرين»، «الحراك المدني العكاري»، «المتقاعدين»، «عكار لعيونك توحّدنا»)، المدعوم من مجموعة «نحو الوطن». أُطلق الائتلاف في 16 كانون الثاني في لقاء في بلدة منيارة، وافتتح مكتباً في حلبا، ويعقد اجتماعات دورية للاتفاق على أسماء المرشحين بعد خضوعهم «لسلسلة اختبارات وتقييم أمام لجنة مستقلة». يؤكّد عضو الائتلاف ربيع العلي «أننا مستقلون عن مكوّنات اللعبة السياسية اللبنانية، موالاة ومعارضة، لكننا فوجئنا بأن بعض الاتحادات تنسّق مع لقاء السيادة (الوزير أشرف ريفي) والكتائب والقوات اللبنانية... وهذا ما نرفضه لأننا نريد أن يكون الائتلاف نقياً من الشوائب الحزبية»، مشيراً الى «أننا شكّلنا منصة انطلاق لقوى مدنية عدة من أجل إيجاد أرضية مشتركة لهذه القوى، وإعلان ورقتها السياسية ومبادئها التي ستخوض على أساسها الانتخابات»، مؤكداً «أننا نملك أكثر من حاصل، ولا شروط للترشح سوى أن يكون المرشح من القوى التغييرية المستقلة عن السلطة والأحزاب السياسية».
الناشط في الحراك المدني العكاري جمال خضر يؤكد «أن ما نشهده من تحرك لقوى التغيير والثورة يشكل علامة جديدة، ربما لا ترضي طموح العكاريين، لكنها تشكل منصة لمشاركة أبناء عكار في صنع القرار بعيداً عن كل الأحزاب والتيارات السياسية»، لافتاً الى أن الائتلاف «انطلق من مكونات عرفت بنشاطها البيئي والاجتماعي ومتابعة الأمور التي تهمّ العكاريين. كنا جزءاً أساسياً من الثورة، لكننا انسحبنا بعد تكرار الأخطاء وقطع الطرق وإغلاق المدارس والاعتداء على صهاريج المحروقات والتعرض للمؤسسات الرسمية والمرجعيات الدينية، وبعدما احتُلَّت الساحات من قبل أشخاص لم تعرفهم عكار ولا يشبهونها، لذلك فإن القوى التغييرية والثورية عادت من بوابة الانتخابات لتعيد تصحيح الأمور ووضعها في نصابها».
تغلغل العائلية والعشائرية في المجتمع العكاري يجعل أيّ تغيير صعباً للغاية


في المقابل، يؤكّد «اتحاد ثوار عكار» أنه خارج ائتلاف قوى التغيير والثورة، بسبب «عدم التفاهم على مبادئ ورؤية سياسية موحدة، لذلك سنكمل المشوار بلائحة خاصة بنا مهما كانت الظروف بدعم من حركة سوا»، بحسب مؤسس الحراك ميراز الجندي، لافتاً إلى «أننا طلبنا التريث لحين الاتفاق على التفاصيل، وأهمها احترام حلفائنا، ومنهم حزب الكتائب وحركة الاستقلال، وكان الرد بالدعوة إلى إعلان الائتلاف، لذلك قاطعنا».
في المقابل، تستبعد مصادر متابعة للشأن الانتخابي في عكار أن تتمكن لائحة «قوى الثورة والتغيير» وغيرها من لوائح المجتمع المدني من تأمين حاصل انتخابي، مؤكدة أنهم «مجموعات متفرقة ومن كل وادٍ عصا، ولكل منهم حساباته الخاصة، فرغم كثرة الأسماء، إلا أنهم في الحقيقة مجموعات لا يتعدى عدد أفراد بعضها العشرة، ولم يتمكنوا من تقديم نموذج يحتذى بسبب بعض الأعمال المخلّة بالأمن التي رافقت حراكهم، فضلاً عن أن تغلغل العائلية والعشائرية في المجتمع العكاري يفرض نفسه بقوة، ما يجعل أي تغيير صعباً للغاية».