في 24 كانون الأول الفائت، أقرّ مجلس الوزراء مساعدة اجتماعية مؤقتة على سبيل التّسوية لجميع العاملين في القطاع العام، بمن فيهم المتقاعدون الذين يستفيدون من معاش تقاعدي ابتداءً من 1/1/2022، وإلى حين إقرار مشروع ​موازنة 2022. وحددت المادة الثانية من المرسوم، قيمة المساعدة بنصف راتب، تحتسب على أساس الراتب أو الأجر أو المعاش التقاعدي، على أن لا تقل الدفعة عن مليون ونصف مليون ليرة ولا تزيد على 4 ملايين. وفي 22 الجاري، وقّع رئيس الجمهورية ميشال عون المرسوم رقم 8838، القاضي بإعطاء المساعدة. إلا أن اللافت أن المرسوم، في مادته الأولى، ربط الاستفادة من المساعدة بشرط التزام الموظفين بالحضور اليومي في الدوام الرسمي، ما يحصر الاستفادة من المساعدة الاجتماعية بالموظفين القاطنين في نفس منطقة عملهم، فهؤلاء، مع تعديل قيمة تعويض النقل الموقّت ورفعه ليصبح 64 ألف ليرة عن كل يوم حضور فعلي، (1.280.000 عن 20 يوم عمل شهرياً)، ستشكل المساعدة بالنسبة إليهم مبلغاً إضافياً على أساس الراتب، بالتالي سيلتزمون بالدوام الرسمي لقاء الاستحصال عليه نتيجة حاجتهم الملحة لأي زيادة مالية وسط الأزمة وتدهور أوضاعهم المعيشية، كحالة رامي الموظف في وزارة العمل في المشرفية والقاطن في منطقة رأس النبع. إذ إن المسافة بين رأس النبع والمشرفية تتراوح كلفتها الشهرية بين 800 ألف ليرة ومليون ليرة بحسب الوسيلة المعتمدة بين فان أو سيارة أجرة. وبما أن رفع بدل النقل كفيل بتغطيتها، سيقصد الشاب وزارة العمل يومياً ليفوز بالمساعدة الاجتماعية.لكن، ماذا عن فئة لا يستهان بحجمها من الموظفين المتنقلين بين المناطق لبلوغ مراكز عملهم، وهم في الأصل يتكبّدون على تنقلاتهم، من وإلى أماكن العمل، ما يفوق بدل النقل اليومي حتى بعد تعديله؟
لن يلتزم علاء بالحضور إلى إحدى المؤسسات العامة حيث يعمل في مدينة صيدا، إذ إن تكلفة التنقل اليومي من منزله في مدينة صور إلى صيدا ذهاباً وإياباً تقدر بحوالي 200 ألف ليرة ثمن نصف صفيحة وقود تحتاجها سيارته لقطع تلك المسافة، ما يعادل مليون ليرة أسبوعياً عن 5 أيام عمل، ومجموعه 4 ملايين ليرة شهرياً. وإن أراد استبدال الوسيلة بالاعتماد على باصات النقل ستبلغ الكلفة قرابة الـ100 ألف يومياً، ما مجموعه المليونين شهرياً. في الحالتين يقول علاء: «تبقى كلفة الحضور إلى العمل أعلى من قيمة المساعدة الاجتماعية التي سأحصل عليها وقدرها بحسب فئته الوظيفية مليون ونصف ليرة».
كعلاء، كثر لم تغريهم مساعدة السلطة المشروطة، فبحسب مصادر في رابطة موظفي القطاع العام «ما لا يقل عن 80% من الموظفين يعملون في مناطق بعيدة عن أماكن سكنهم، نتيجة سوء تنسيق لدى مجلس الخدمة المدنية الذي لا يحدد مكان العمل عند إعلانه عن الوظائف الشاغرة وطلب التقديم عليها».
أفضل ما تفعله هذه السلطة هو الالتفاف على الحقوق، عبر تقديم حلولها المجتزأة لأزماتٍ متشعبة أنتجتها سياساتها المفصّلة على مدى عقود على قياس مصالح قلة حاكمة تتركز بيدها الثروات.