بعدما تثبّتت قواعد العمل في 14 آب 2006، قرّر العدو ابتداع «المعركة بين الحروب». إذ كان مضطراً إلى القيام بما يعتقد أنه يفيده في مواجهة المقاومة، من دون أن يضطرّ إلى شن حرب واسعة لا يقين لديه بالنصر فيها. وقامت «معركته» بين الحروب على شقّين:الأول، عسكري يتمثّل بتنفيذ عمليات قصف جوي وصاروخي في مناطق حدودية بين لبنان وسوريا، وداخل سوريا والعراق، بهدف الوصول الى ما يعتقد أنها أهداف مركزية لقوى المقاومة، وفي مقدّمها حزب الله في لبنان، والحرس الثوري في سوريا وفصائل المقاومة في العراق.
الثاني، أمني ــــ عسكري يتمثّل في القيام بعمليات ذات طابع قتالي، لكنها تستند الى أداء أمني بحت، وتستهدف توجيه ضربات إما الى نقاط عمل تخص المقاومة أو اغتيال كوادر وقيادات ميدانية من فصائل المقاومة.
في حالة حزب الله، قام توازن إضافي بعد حرب تموز 2006، فرض الامتناع عن توجيه ضربات تسقط فيها دماء مقاومين من حزب الله في أي مكان، سواء في لبنان أو سوريا أو أي منطقة أخرى في العالم. لكن العدو، الذي يتعامل مع حزب الله كخطر مركزي، لا يمكنه الوقوف مكتوف اليدين. لذلك، لجأ الى تفعيل برنامج عمله الأمني، وطوّره في بعض الحالات لتنفيذ عمليات موضعية استهدفت اغتيال كوادر وقيادات ميدانية، وتوجيه ضربات «صامتة» الى مراكز للمقاومة، سواء في لبنان أو في سوريا. كما نشّط عمله الأمني داخل لبنان بقوة استثنائية. صحيح أن أجهزة أمن المقاومة من جهة، وجهود فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي واستخبارات الجيش اللبناني من جهة أخرى، تمكنت من كشف عدد غير قليل من شبكات التجسس العاملة مع العدو طوال السنوات الـ 13 الماضية. لكن ذلك لم يعطل كل قدرات العدو. بل يجب الإقرار بأن أجهزة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، وكل وحداتها التنفيذية العاملة خارج الكيان، ثابرت على القيام بعمل كبير. صحيح أن إسرائيل طوّرت الاستخبارات التقنية التي تعفيها من الحاجة الى عناصر بشرية. لكن تحقيق الأهداف النوعية يتطلب حضور العنصر البشري. وحافظ العدو في أحيان كثيرة على تقليده في إرسال وحدات متخصصة ومدرّبة بصورة عالية للقيام بهذه العمليات، بما في ذلك أعمال تخريب وخطف جرت في العامين الماضيين.
صحيح أن كل ما قام به العدو لم يؤذ جوهر ما تقوم به المقاومة، كما هي حال الضربات الجوية التي أصابت نسبة ضئيلة جداً من القدرات الوافدة. إلا أن النشاط التجسسي الذي رُصد في الفترة الماضية، يشير الى أن العدو بات على اقتناع بما أعلنه السيد حسن نصر الله قبل أيام حول ورشات التصنيع التي تخصّ المقاومة في لبنان. ولذلك، فإن غالبية النشاط الأمني، التقني منه والبشري، الاستعلامي أو التنفيذي، استهدف الوصول الى هذه المنشآت وإلى أماكن انتشار المنتجات، سواء كانت على شكل مسيّرات أو صواريخ دقيقة.
لم تكن مسيّرة «حسان» الرسالة ــــ الرد على تبجحات قادة العدو فقط، بل هناك أيضاً رسالة التحدي التي جاءت على لسان السيد نصر الله بالقول: جرّبوا حظكم وتعالوا إلينا من جديد، ونحن نستعد لاستقبالكم بحفاوة استقبال وحدة «الشيطيت» في أنصارية قبل 25 عاماً.
للمقاومة أيضاً معركتها بين الحروب!