فتحت الطائرات من دون طيّار إمكانيات جديدة للجيش و«اللجان الشعبية» في تكريس معادلات الردع مع قوى العدوان السعودي الإماراتي. وهي، وإنْ دخلت بهذا الوضوح والعلانية على خطّ المواجهة في سلسلة عمليات «إعصار اليمن» ضد الإمارات العربية المتحدة في 17 و24 و31 كانون الثاني 2022، إلا أنها ساهمت في إيصال يدّ صنعاء - بعد عينها - إلى جغرافيا أكثر صعوبة وخطورة من دون هذه التكنولوجيا. وهذا ما عزّز نظرة «أنصار الله» إلى نفسها كـ«قوة لا يُستهان بها اليوم في المنطقة»، بعد «تمكنّ القدرات اليمنية من تطوير وصناعة طيران مسيّر نوعي»، يُضاف إلى «حرية القرار» التي تمتلكها القيادة اليمنية في استخدام مواردها ومصادر قوّتها، في ما يُصطلح على تسميته في صنعاء ثنائي «السلاح النوعي والإرادة».

بعد نحو 20 يوماً على عملية «إعصار اليمن» الثالثة، دشّنت الإمارات، الأحد الماضي، فعاليات الدورة الخامسة من مؤتمر «الأنظمة غير المأهولة 2022» المصاحب لمعرضي «يومكس» و«سيمتكس» 2022 تحت شعار: «أنظمة ذاتية بلا حدود: طفرة هائلة وآفاق واعدة». وفي كلمة له، حذّر وزير الدولة لشؤون الدفاع في الإمارات محمد البواردي من خطر الطائرات من دون طيّار، معتبراً أنها أصبحت سلاحاً تفضّله «الجماعات المسلّحة والإرهابية» لانخفاض كلفة إنتاجها وكفاءتها وفاعليتها وسهولة الحصول عليها «خصوصاً إذا ما وُجدت أنظمة ودول ترعاها».
اختصر البواردي في موقفه هذا المشهد، داعياً إلى اصطفاف بين محورَين متصارعين متثملَين بأميركا وحلفائها وإيران وحلفائها. وهو موقف يمثّل أحد أسباب فشل الثلاثي الأميركي- السعودي- الإماراتي في فهم المشهد اليمني خصوصاً، بالتالي العجز عن الانتصار في معركة مفتوحة منذ ثماني سنوات، تزداد تعقيداتها بالنسبة لهم كلما مرّت الأيام.
أصلاً، نفذت أميركا والسعودية «برنامج تدمير» القدرات الصاروخية للجيش اليمني، بين عامي 2005 و2014، مركّزة على الترسانة الصاروخية الخاصة بالدفاع الجوي. وقد تخلّصت بموجبه من آلاف صواريخ «سام» المتنوّعة المديات والطائرات والمروحيات الحربية، تمهيداً لإطلاق عدوان «عاصفة الحزم» عام 2015. حصل ذلك حين لم يكن أكثر المتشائمين في واشنطن والرياض يتوقع أن يصبح لدى صنعاء «قوّة جوية» خارج السياق التقليدي للقوات الجوية العربية، وخارج منظومة السيطرة والتحكّم الأميركية.
استراتيجية المفاجأة تربك العدو لجهة التوقيت والنوعية والأهداف

ومع استمرار الحرب، عزّز السعوديون من إجراءات الحصار لمنع دخول المواد الأولية إلى اليمن خوفاً من استخدامها عسكرياً. مع ذلك، فإن صناعة المسيّرات مزدهرة في اليمن، حيث يعمل خطّ الإنتاج بقوة كبيرة في معامل تابعة للقوة الجوية الخاصة بالجيش و«اللجان الشعبية». من المسيّرات إلى الصواريخ على اختلافها، أرض- أرض وأرض- بحر وأرض- جو. وتستند إدارة المعركة إلى ما توفّره مصانع المسيّرات والصواريخ، وتبقي القيادة على سلاح المفاجآت كاستراتيجية عسكرية ثبت نجاحها حتى الآن، إذ لا يعرف العدو ما هو السلاح التالي، إلا لحظة استخدامه في المعركة.
الأسبوع الماضي، نشر اليمنيون مشاهد لإطلاق طائرات مسيّرة، أظهرت عملية إقلاع طائرات مسيّرة، من طراز «صماد 1 و2 و3». كما ظهر حجم تطوّر طريقة الإطلاق ونمط الإقلاع، ما يؤشّر إلى التقدّم التقني لسلاح الجو المسيّر اليمني. أما في ما يتعلّق بالأهداف، فتقول المصادر إن «الأسلحة، صواريخ كانت أم مسيّرات، لا تُستخدم بشكل عشوائي أو اعتباطي، إنما تُطلق بناء على إسناد معلوماتي مسبق قائم على إحداثيات دقيقة تُحدَّث باستمرار»، ولهذا حكايته الخاصة غير المنفصلة عن التطوّر التقني ولا عن سلاح الجو اليمني.