تسوّق مواقع وزارة التربية والمركز التربوي للبحوث والإنماء والجهات المموّلة أخباراً على أنها «إنجازات كبيرة» لوزارة مدّعية، ومركز ضحل، ومزراب هدر كبير وتنفيعات سياسية من دون كفاءة.أخيراً، أعلن وزير التربية عباس الحلبي، ممثلاً بمستشار الوزير للسياسات التربوية البروفسور منير أبو عسلي، ورئيس المركز التربوي جورج نهرا، إنجاز الكتب المدرسية التفاعلية بدعم من الوكالة الأميركية للتنمية الدولية ومشروع «كتابي 2»، وهو عبارة عن تطبيق للهواتف المحمولة يمكّن المستخدم من تحميل الكتاب المدرسي الذي يصدره المركز على هاتف جوال بصيغة «بي دي أف» (PDF) أو تصفّحه، فيما لا يعمل البرنامج على نظام ويندوز للكومبيوترات المكتبية!
وللتذكير، فإن الإعلان عن هذا المشروع بدأ في 15/3/2020، ليطلق بعده المركز مبادرة التعليم الرقمي. وفي 21/9/2020، أطلق وزير التربية السابق طارق المجذوب ورئيس المركز النسخة الإلكترونية من الكتاب المدرسي، وفي 20/7/2021، أطلق المركز مع وزير الصناعة منصة «مواردي»، فيما يطلق الحلبي اليوم المنصة السابقة نفسها التي أطلقها المجذوب، ولكن معدّلة.
من المستغرب أن يشدّد المركز على مصطلح «التفاعلية» فيما التطبيق المعروض لا يمتّ إلى التفاعل بصلة. إذ إنه عبارة عن نسخة ورقية معروضة بشكل رقمي، ولا يمكن المتعلّم الضغط على أي رابط أو وصل الدرس بأي مرجع آخر كمنصة «مواردي». وقد استغرق تنفيذ هذا «الإنجاز» نحو 20 شهراً، في وقت لا يتطلّب إنجازه، بحسب المخرجات التي حصلنا عليها، شهرين كونه عبارة عن تبويب لنسخات رقمية من الكتب بصيغة PDF. وكان يمكن، بسهولة، استحداث منصة فرعية على موقع المركز تجمع الكتب المدرسية وتكون قابلة للاستخدام والتنزيل عبر التطبيقات الهاتفية والكومبيوتر.
المفارقة الثانية أن التمويل الأميركي للمنصة لم يلحظ تفاهة المنتج ومخرجاته، رغم أهمية توفير الكتب المدرسية مجاناً للتلامذة. إذ إن تطبيقاً كهذا لا تتعدى كلفته بضعة آلاف الدولارات، لكن المناكفات السياسية ولعبة المصالح في المركز جعلت التلامذة ينتظرون 20 شهراً للحصول على منصة كان يمكن أن تُنجز في آذار أو نيسان 2019، أي بعد شهرين من إغلاق المدارس، وهو أمر لا يستحق ثلاثة احتفالات لإطلاقه بل جزء طبيعي ويومي من نشاط المركز كان من المفترض إنجازه قبل سنوات، مع انتشار المنصات الرقمية.
وهم التكنولوجيا والحداثة التقنية التي يستثمر فيها المموّل والشركات والمركز التربوي لا يجعلنا نتقدّم. فشركات البرمجة الخاصة التي تحتكر تكنولوجيا التعليم تسوّق لوهم «الإنجاز» وصعوبة تحقيق التطبيقات البسيطة لغايات ربحية، وتطلق تسمية التفاعل على أي تطبيق لا تتوافر فيه شروط التفاعل، ويسوّق له العقل الضحل ومستشارو المركز التربوي ويصفونه بالتفاعلي! والمموّل العارف بكل ذلك يصرف هو الآخر الأموال على إنجازات وهمية.
كان الأجدى أن نقدم لأطفالنا الكتاب المدرسي الرقمي عام 2019، وأن ننجز فعلاً اليوم بعض التطبيقات التفاعلية. لكننا على ثقة بأن الشركات المحتكرة لتكنولوجيا التعليم في لبنان ليست كفوءة، وهي تلهو بأموال المنح والمساعدات، وتُراكم الديون على المواطنين فيما تعزز ضحالة العقل في الوزارة والمركز التربوي هذا الواقع. ديون أخرى وهبات تذهب هدراً لمصلحة الفاسدين وكأن العقول المبدعة في لبنان نضبت، فيما يعاني التلامذة من 3 سنوات تأخر وفاقد تعليمي، لأن إنجازات الوزارة والمركز التربوي لم تكن يوماً إلا أوهاماً.

* باحث في التربية والفنون.