تتمتّع «مؤسسة المجتمع المنفتح» بعلاقات تعاون وثيقة مع مؤسسة «هاينريش بُل» (Heinrich Böll Stiftung) تطال الأنشطة ودعم عدد من وسائل الإعلام والمنظمات غير الحكومية في العالم العربي. وفي هذا السياق، تعدّ تونس ولبنان الساحتين الأبرز لعمل المنظمتين. وتشير وثيقة مسرّبة لاستراتيجية المكتب الإقليمي العربي التابع لـ«مؤسّسة المجتمع المنفتح»، والتي تغطي فترة ما بعد الربيع العربي بين عامي 2014 و2017، إلى أنّ «هاينريش بُل» هي «وكالة غير حكومية ذات توجهات مماثلة» يجري التنسيق معها، رغم تصنيفها تقنياً أنها مموّلة من الحكومة الألمانية. وكانت «هاينريش بُل» المؤسسة الحزبية الألمانية الوحيدة التي ذكرتها وثيقة «المجتمع المنفتح» كشريك في التنسيق في المنطقة. ويعدّ التمويل المشترك بين «هاينريش بُل» و «المجتمع المنفتح» لـ«المفكّرة القانونية» و«ميغافون» في لبنان أحد مظاهر العمل المشترك بين المنظمتين الذي ذكر في الوثيقة الاستراتيجية.ويذكر «معهد المجتمع المنفتح» أن المؤسسات السياسية الألمانية شريكة في «اتفاقيات صريحة مع مانحين آخرين لتقاسم التكاليف. وفي أحيان أخرى، تبرم هذه الاتفاقيات بشكل غير رسمي عندما يقرر مانح آخر دعم مشروع بدأناه أو، على العكس من ذلك، عندما نستفيد من مبادرة مانح آخر». بدوره، يقول الاتحاد الأوروبي إنّ المنظمات غير الحكومية تتمتع بحرية الوصول إلى ميزانيتها بشرط أن يكون «مجال نشاطها على صلة بسياسة الاتحاد الأوروبي».
وقد فرض تأثير الولايات المتحدة على السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي نفسه على عدد من المبادرات المموّلة من «مؤسسة المجتمع المنفتح». ومن ضمن من تموّلهم المؤسسة «معهد السياسة الأوروبية للمجتمع المنفتح»، المكلّف من شركة Kumquat للاستشارات بإعداد تقرير لجمع «معلومات استخباراتية» عن أعضاء برلمان الاتحاد الأوروبي (الثامن) الذين من المرجح أن «يدعموا قيم المجتمع المنفتح». قام التقرير بدراسة أعضاء الهيئة التشريعية بين عامي 2014 و2019، وصنّف 31 عضواً في البرلمان الألماني كحلفاء أو حلفاء محتملين للمؤسسة. فيما حلّ حزب الخضر الألماني، الذي يشكّل أعضاؤه حوالى ثلث البرلمان، بعد حزب الديموقراطيين الاشتراكيين، بمؤسسته «فريدريش إيبرت» وأعضائه الذين ورد ذكرهم بأعلى تواتر بين البرلمانيين الألمان في التقرير. وزيرة الشؤون الخارجية الحالية أنالينا بيربوك من حزب الخضر، وهي خريجة برنامج القادة العالميين الشباب التابع للمنتدى الاقتصادي العالمي، كما أنها عضو ممثل عن ألمانيا في «المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية» (ECFR) الذي يتخذ من برلين مقراً له، والذي تأسس بتمويل أولي من «مؤسسة المجتمع المنفتح». وفي موجز السياسة العامة، الصادر في تموز 2021، أوصى المجلس الاتحاد الأوروبي بالحفاظ على الضغط الشبيه بالعقوبات التي يمارس على لبنان من خلال «حجب التمويل» عن الدولة، بحجة تقديم المساعدة لمجموعات المجتمع المدني «التي تعمل على الأرض» بدلاً من الحكومة الفاسدة ما لم يتم تنفيذ إصلاحات، المطلب الذي كررته السفيرة الأميركية دوروثي شيا والبنك الدولي. وتتمثل هذه الإصلاحات بضمان بيئة اقتصادية صديقة للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي تجعل من نفسها «شفافة» تجاه الغرب (رغم أن هذه الشفافية في ما يتعلق بنشاطه في لبنان لا تقابلها أي من المؤسسات الألمانية بالمثل). كما يضيف «المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية» بأنّه سيساعد في «تسهيل بروز» مرشحين للانتخابات البرلمانية لعام 2022 التي من شأنها «تحدي وتغيير» النظام من الداخل. وفي موجز آخر حول التحقيق في قضية مرفأ بيروت، وُجّهت التهم لحزب الله وحركة أمل ورئيس الحكومة السابق حسان دياب بالتهرب من المساءلة وعرقلة إجراءات المحكمة، مع توصيات بفرض عقوبات هادفة.
ركّز إنشاء نسخة أوروبية من الصندوق الوطني للديمقراطية الأميركي على تمويل المجتمع المدني المعارض ووسائل الإعلام


وكان مكتب «مؤسسة المجتمع المنفتح» في بروكسل قد أعدّ ورقة مناقشة تضمنت توصيات وإرشادات ونقاط عمل حول إنشاء «المؤسسة الأوروبية من أجل الديموقراطية» (EED) عام 2011. ركّز إنشاء نسخة أوروبية من «الصندوق الوطني للديموقراطية» الأميركي على تمويل المجتمع المدني المعارض ووسائل الإعلام والمنظمات، من خلال الأحزاب السياسية المعارضة في البلدان «الاستبدادية»، والتي صنّفتها «مؤسسة المجتمع المنفتح» بأنها «ضعيفة جداً في العادة» و«لا فرصة لديها للفوز». وتتبع «المؤسسة الأوروبية من أجل الديموقراطية» نمطاً مشابهاً في تمويل الإعلام والمجتمع المدني لذاك الذي تتّبعه «مؤسسة المجتمع المنفتح» على أمل إعلاء سلطتهما - بالتالي الأهداف السياسية للقوى المالية والسياسية الغربية على حد سواء - بدلاً من الحكومات المحلية.
وقد تعاونت مؤسستا «هاينريش بُل» و«المجتمع المنفتح» لدعم المركز الأوروبي للحقوق الدستورية وحقوق الإنسان، الذي يلاحق منذ عام 2017 متهمين بارتكاب جرائم إنسانية في سوريا، ونجح في الضغط على الحكومة الألمانية لإصدار مذكرة توقيف دولية بحق رئيس المخابرات الجوية السورية عام 2018. رُفعت الدعوى في ألمانيا مع ضحايا مزعومين في برلين وكذلك النرويج والسويد والنمسا. ويذكر أن اثنين من الناجين من التعذيب الذين شاركوا في تقديم الشكوى هما أنور البني الذي شغل منصب رئيس مركز البحوث والدراسات القانونية بتمويل من الاتحاد الأوروبي في سوريا عام 2006، قبل مغادرته إلى ألمانيا عام 2012، ومازن درويش الذي يرأس المركز السوري للإعلام وحرية التعبير، برعاية «هاينريش بُل» وبدعم من «مؤسسة المجتمع المنفتح» لتحقيق «العدالة الانتقالية» في سوريا. وتولي هاتان المنظمتان أولوية خاصة وتوفران مساحة لتمويل المنح الدراسية والزمالات والجوائز للطلاب والفنانين سعياً منها لتعزيز «الانفتاح» الأيديولوجي والثقافي. وفي لبنان، من أبرز المنظمات والمؤسسات التي تلقى دعمهما: «آفاق»، «السبيل»، «أشكال ألوان»، وعدد من المشاريع والمبادرات الإقليمية والوطنية الأخرى، لا سيما تلك المعنية بالإعلام والفن والإصلاح القضائي.