بعد عام على بدء النقاش باقتراح قانون استعادة الأموال المحوّلة إلى الخارج الذي قدّمه التيار الوطني الحر، وانكباب بعض النواب على إضفاء تعديلات عليه بما فيها آلياته التطبيقية، كاد القانون يصل إلى خواتيمه السعيدة. لكن نائب رئيس مجلس النواب إيلي الفرزلي وجد، أمس، حجة قانونية تتعلق بالصلاحيات لتطيير القانون وإعادته من لجنة المال والموازنة إلى اللجان الفرعية للبدء فيه من النقطة الصفر وكأن شيئاً لم يكن. هكذا، أحبط «حزب المصرف»، مرة أخرى، الأمل باستعادة أموال المودعين وبإقرار أي قانون إصلاحي يضر بالمصارف وأصحابها وأصحاب المصالح المشتركة
كان يفترض بجلسة لجنة المال والموازنة النيابية، أمس، أن تتابع النقاش باقتراح القانون المتعلق باستعادة الأموال المحوّلة إلى الخارج، خصوصاً أن التعديلات باتت شبه منجزة. ربما لهذا السبب بالذات، دخل النائب إيلي الفرزلي إليها (رغم أنه ليس معنياً بهذا النقاش ولا يحضره عادة) مدّعياً أنه ينوب عن رئيس مجلس النواب، ليصرخ بضرورة إيقاف الجلسة وكل نقاش عن استعادة الأموال، ويبدأ بإلقاء فرمان قانوني حول المخالفات الجارية. فالفرزلي، وبعد عام على تكليف لجنة فرعية برئاسة النائب جميل السيد وعضوية النائبين علي فياض وطارق المرعبي وممثل وزارة العدل القاضي جاد الهاشم لإعادة صياغة اقتراح القانون المقدّم من التيار الوطني الحر، ونحو أربع جلسات لمناقشة التعديلات ووضع آليات تطبيقية له أدى إلى إقرار 3 مواد منه الشهر الماضي واقتراب إقراره كاملاً، اكتشف أن القانون مُحال إلى اللجان المشتركة، بالتالي فإن مناقشته في لجنة المال والموازنة «مخالف للنظام الداخلي لأن القرار المتخذ بالجلسة العامة كان بإحالته إلى اللجان المشتركة وليس إلى لجنة المال». ولقي نائب رئيس المجلس تأييداً من نائبي كتلة التنمية والتحرير غازي زعيتر وياسين جابر ونائب تيار المستقبل هادي حبيش وتأييداً ضمنياً من جمعية المصارف. إذ أصرّ هؤلاء على تطيير كل عمل النواب منذ نيسان 2021 وإنجازهم مواد معدلة بموافقة الغالبية أوصلت القانون إلى نهاياته. في المقابل، لفت النائب جميل السيّد إلى أن مكتب المجلس لا رئيس لجنة المال هو من أحال اقتراح القانون إليه رسمياً، بالتالي إذا كان من مسؤولية ومحاسبة فتتحملها هذه الجهة، وذلك لا يعني بتاتاً توقف العمل، بل يمكن إعداد تقرير عن الجلسات المنعقدة بهذا الخصوص وردّها إلى المجلس ومن ثم تحويلها إلى اللجان، وليس «تصفير» العمل. وفي السياق نفسه أتى نائب كتلة الوفاء للمقاومة حسن فضل الله مؤكداً أن الجميع يحترم صلاحيات رئاسة المجلس، ولكن يجب إكمال النقاش خصوصاً بعد موقف جمعية المصارف من القانون ورغبتها في وقفه. ونبّه إلى أن إيقاف النقاش يعني أن المصارف فرضت إيقاعها. عندها اقتُرح استكمال النقاش إلى نهايته. هكذا، أكمل النائب إبراهيم كنعان الجلسة، و«رغم بعض الأصوات المعارضة، أعددنا الخلاصة، وسأعدّ تقريراً حول كل ما توصلنا إليه لرفعه إلى رئاسة المجلس واللجان المشتركة ليبدأوا من النقطة التي انتهينا بها»، كما قال لـ «الأخبار». وعلى الأثر، خرج الفرزلي بعد أن أنهى السيناريو المُعدّ مسبقاً.
بحجة «مخالفة» النظام الداخلي أعاد الفرزلي اقتراح القانون إلى اللجان المشتركة


اجتماع لجنة المال والموازنة لمناقشة اقتراح قانون استعادة الأموال المحولة إلى الخارج هو الأول بعد فتح الدورة الاستثنائية لمجلس النواب، وقد أدرجه رئيس الجمهورية ميشال عون ضمن برنامج الدورة. ويتردد، هنا، أن هذا سبب إضافي لتطييره من قبل رئاسة مجلس النواب، خصوصاً أن المجتمعين أعدوا مقترحاً بديلاً قابلاً للتنفيذ وعملوا على توزيع الأعباء بالتساوي لاسترداد الأموال من ثلاث فئات رئيسية: 1- الموظف العمومي أي كل شخص معين أو منتخب في الدولة اللبنانية. 2- المسؤولون في المصارف العامة والخاصة أي أصحابها ومدرائها التنفيذيين. 3- المواطنون. وبما أنه لا مفعول رجعي لاسترداد الأموال في القانون، وأن مصرف لبنان أعطى توجيهات بعد 17 تشرين الأول 2019 بفرض قيود على السحوبات والتحويلات، يمكن للمصارف إعداد لائحة بالفئات التي استفادت ليصار إلى إرجاع قسم من هذه الأموال. وقد تضمنّ الاقتراح حق المواطن بتقديم شكوى على المصارف إذا كان يملك أي معطى بقيام مصرف ما باعتماد استنسابية في توزيع الأموال وسحبها؛ لكون المصرف سلطة مالية مقيدة بالقوانين اللبنانية التي تمنع الاستنسابية، وأي عمل مماثل يدخل ضمن الإساءة للأمانة وإساءة استعمال السلطة والنفوذ واستعمال المعرفة لمصلحة خاصة. كذلك جرى طلب تعديل قانون الإثراء غير المشروع للتدقيق في حسابات الموظفين ومعرفة مصادر أموالهم.
والمفاجئ أن مداخلات ممثلي جمعية المصارف كانت في واد آخر، إذ أكدوا عدم اطلاعهم على التعديلات المدرجة ولمناقشة المشروع الأول وكأن التعديلات والجلسات الماضية لم تحصل. ولدى سؤال النائب جميل السيد لهم عما حصل بعد 17 تشرين والتحويلات التي أجرتها المصارف رغم تعميم مصرف لبنان لها بوضع قيود على السحوبات، أنكر هؤلاء وجود أي تعميم مماثل خطي أو شفهي، بمعنى أن حاكم المصرف رياض سلامة لم يطلب منهم تجميد الحسابات، رغم أن كل المصارف رفضت إعطاء الأموال للمودعين بشكل تام.
وفي سياق متصل، سأل النائب جورج عقيص عن هيئة التحقيق الخاصة التي يرأسها حاكم مصرف لبنان ولها صلاحية التحقيق في أداء المصارف والتحويلات، فرد فضل الله بالإشارة إلى أن كتلة الوفاء للمقاومة تقدمت باقتراح قانون في هذا الشأن خصوصاً أن رياض سلامة «هو الخصم والحكم» في هذه الهيئة. وقد تشكلت لجنة فرعية في الوقت نفسه التي تشكلت فيها اللجنة الفرعية لإعادة صياغة استعادة الأموال المحولة إلى الخارج، لكن جرى دفنه هناك.
ورغم وصول النقاشات في اقتراح قانون استعادة الأموال المحولة إلى الخارج إلى خواتيمه وكان يفترض إقراره ورفعه إلى الهيئة العامة لإدراجه على جدول أعمال المجلس، أطاح «حزب المصرف» بكل التقدّم الحاصل، وبات يمكن للجان المشتركة التنصل من كل التعديلات وإعادة النقاش إلى النقطة الصفر، أي تأجيله لمدة عام إضافي.