أعادت تل أبيب، عبر إعلامها، نشر رواية توريد الغاز الإسرائيلي إلى لبنان، في موازاة الحديث عن استثنائه من العقوبات الأميركية على سوريا. إعادة نشر الرواية تستدعي التأمل والبحث في أهدافها، خصوصاً أنها تأتي في ظرف لبناني حسّاس، مليء بالاستقطاب والتجاذب الذي تزيد هذه الرواية من حدّته، بغضّ النظر عن كذبها أو صحتها.وكان مراسل الشؤون العسكرية في القناة 12 العبرية، نير دفوري، خلص في تقرير وصفه بـ«الأولي»، إلى أن الغاز الإسرائيلي سيصل إلى لبنان قريباً، وسيكون له دور فعّال في إيجاد حلول للأزمة الاقتصادية، مشيراً إلى أن الغاز المورّد من إسرائيل، هو خطوة وقائية - استباقية أرادتها الولايات المتحدة للحؤول دون أي مساعدة إيرانية للبنان، في قطاع الطاقة وغيره.
واستند دفوري في تقريره إلى تقرير بثّته القناة نفسها، في تشرين الأول الماضي، ورد فيه أن الغاز المورَّد إلى لبنان هو غاز إسرائيلي، بحسب ما يستشفّ من «معطيات تقرير أو تقريرين نُشرا في وسائل إعلامية اقتصادية خاصة غير متاحة للجمهور، كونها مشفّرة وتستلزم اشتراكات خاصة ومدفوعة».
ولفت تقرير تشرين الأول إلى أن أنبوب الغاز الإسرائيلي الذي يضخّ الغاز من حقول إسرائيلية إلى مصر، يلتقي في شمال سيناء بأنبوب الغاز العربي الذي يربط مصر بالأردن فسوريا ولبنان. وأشار إلى «وصلة» بين العريش وبور سعيد يتدفّق الغاز الإسرائيلي فيها من الشرق إلى الغرب، ما يمنع بطبيعة الحال تدفق أي غاز مصري من الغرب إلى الشرق، وصولاً إلى أنبوب الغاز العربي الذي يصل إلى العقبة الأردنية. ويعني ذلك أن مصر ستضخّ إلى لبنان غازاً إسرائيلياً لا مصرياً.
مكمن اللغط، هنا، أن تدفق الغاز من إسرائيل عبر أنبوب يوصل عسقلان بالعريش، ومن ثم من العريش إلى بور سعيد، فمحطات تسييل الغاز في دمياط بين بور سعيد والإسكندرية على ساحل المتوسط، هو خط واحد لا ثاني له. فهل هو كذلك؟ الرواية تشكّك في الواقع، وتستند إلى هذا التشكيك، لتصل إلى استنتاجاتها.
يروّج العدو لـ«غاز إسرائيلي إلى لبنان» لوضع الرواية في أجندات أطراف التجاذب في الداخل اللبناني


يتضح من الرواية، المستندة إلى استنتاجات التقريرين المشفّرين، أن لا معطى يؤكد أن الغاز المورَّد للبنان إسرائيلي، بل معطى مستندٌ إلى التشكيك، ما يستلزم من المعنيين من جانبنا، في أقل تقدير، إيضاح الأمر، سواء في لبنان وربما من مصر أولاً، ناهيك عن الأردن وسوريا المعنيين أيضاً بالاتفاقية الرباعية لتوريد الغاز المصري، إضافة إلى توضيحات من الشركات الإسبانية والإيطالية والفرنسية، والمصرية التي تملك أنبوب الغاز وما يحويه من غاز، كما تملك محطات تسييله في مصر، إذ إن كل هؤلاء، مع الولايات المتحدة وروسيا التي قال التقرير إنها «راضية عن كل ذلك»، هم شركاء «مؤامرة» توريد الغاز الإسرائيلي إلى لبنان عبر مسميات أخرى، كما يرد في رواية الإعلام العبري.
تقرير آخر نُشر في صحيفة «هآرتس» (في تشرين الأول الماضي) أشار إلى أن الغاز المورَّد إلى لبنان وفقاً للاتفاقية الرباعية إسرائيلي، واستند في ذلك إلى ادّعاء بأن مصر لا تملك غازاً للتصدير. وهو ادّعاء مغاير للواقع، إذ إن مصر باتت واحداً من أهم مورّدي الغاز في القارة الأفريقية، وفي المرتبة الثانية بعد الجزائر، بعد الاكتشافات الغازية الهائلة في السنوات الماضية، ما حوّلها إلى مُورّد كبير للغاز، مع سعيها لتكون مركزاً إقليمياً لإنتاج الطاقة وتصديرها إلى أوروبا وآسيا، وهو ما يبرر إصرارها على التمسك باتفاقية الغاز مع إسرائيل، رغم أن لا حاجة إليها بها، إلا لأهداف سياسية واقتصادية، تسهّل لها الوصول إلى هذه المكانة.
واللافت أن معدّ التقرير الذي بثّته القناة 12، أول من أمس، هو المراسل العسكري في القناة، ما يثير تساؤلات حول الشأن العسكري في تقرير اقتصادي كهذا، وعن أهدافه الحقيقية.
الرواية الإعلامية الإسرائيلية، ذات الانتشار المحدود في إسرائيل والواسع في لبنان، يراد أن يكون لها الصدى الأكبر في لبنان بوصفها مادة أخذ وردّ من شأنها خدمة أجندات أطراف التجاذب في الداخل اللبناني، في مرحلة باتت الساحة الداخلية اللبنانية والاشتباك السياسي الحاد فيها، محل رهان إسرائيلي على إمكان تحقيق أهداف عجزت عنها، في السنوات الماضية، الحروب والحصار والعقوبات.
علامة الاستفهام كبيرة تواجه رواية تل أبيب، ليس فقط إزاء صحتها، بل كذلك أهدافها، ما يستلزم من لبنان الرسمي أولاً، ومن الجانب المصري، توضيحاً ووضع النقاط على الحروف، ليس فقط لمنع اللغط الإسرائيلي ورواية غازه، بل لما يراد أن يُبنى على الرواية نفسها من روايات.
فياض ينفي
وفي بيروت، أكّد وزير الطاقة والموارد وليد فياض، تعليقاً على التقارير الإسرائيلية، بأن لبنان سيوقّع اتفاقاً مع مصر لاستيراد الغاز المصري وليس الغاز الإسرائيلي، «وهذا واضح في كل المحادثات كما سيرد في الاتفاقية التي لم تُوقع بعد». ونفى أن تكون الولايات المتحدة أعطت موافقة تجعل لبنان يحصل على الغاز الإسرائيلي، لافتاً إلى أن لبنان سيأخذ حصته من الغاز عن طريق سوريا من خلال عملية مبادلة، بحيث تعطي مصر لسوريا كميات من الغاز، فيما تحوّل سوريا ما يعادلها من الغاز السوري من محطة في حمص نحو معمل دير عمار في شمال لبنان.