خلّفت مُجريات الأيام الثلاثة الأخيرة من المشاورات التي أجراها رئيس الجمهورية العماد ميشال عون مع رؤساء أحزاب وكتل لاستمزاج آرائهم في الدعوة إلى طاولة حوار، انطباعات غلبَ عليها التشاؤم حيال قدرة المنظومة على تجاوز الانهيار الذي يجتاح البلاد.وبسبب الضجة التي أثارتها بعض الجهات التي رفضت المشاركة في الحوار، لأسباب سياسية وانتخابية، ساد اعتقاد بأن عون سيتراجع عن دعوته. إلا أن رئيس الجمهورية فاجأ الجميع، أمس، بإفراغ هذه الضجة من مضمونها، وإبقاء دعوته مفتوحة رغمَ أن بنود الحوار (الاستراتيجية الدفاعية، اللامركزية المالية الموسعة وخطة التعافي المالي والاقتصادي) مليئة بألغام تحول دون التفاهم ليس بين القوى المختلفة فحسب، وإنما بين «الحلفاء».
رئيس الجمهورية دعا المقاطعين إلى تغليب الحسّ الوطني ووقف المكابرة


مصادر مطلعة على مجريات المشاورات أكدت أن «الغالبية كانت تتوقع من عون التراجع عن الدعوة، لكنه لم يفعل»، علماً بأنه «لم ينجح في إقناع أحد بتنحية الخلاف معه حيال كل الملفات من قانون الانتخابات الى الانتخابات الرئاسية وما بينهما». ولفتت إلى أن «الأطراف التي عارضت المشاركة منعت عون من تسجيل خرق، ولو شكلي، مع اقتراب نهاية العهد وليسَ في أفق الأزمة التي تستدعي المعالجة وحسب». وقد سهّلت هذه الأطراف على رئيس مجلس النواب نبيه بري المهمة، رغم أنه بدا الأكثر حماسة في تلقّف مبادرة عون، باعتبار أنه «أول الداعين إلى التحاور وآخر المتخلّفين عن هذا الواجب». لكنه عكس «براعة» في اللعب مع العهد، من ثلاث جهات:
أولاً، في الحكومة المعطّلة بإرادة رئيس مجلس النواب، لا حزب الله، وهو أمر يصبّ في خانة تعطيل ما تبقى من عمر العهد وعدم منحه مجالاً لتحقيق تقدّم في أي ملف مالي ــــ اقتصادي أو سياسي.
ثانياً، في مجلس النواب الذي يعتبره بري «سيّد نفسه» ويرفض برنامج العمل الذي وضعه رئيس الجمهورية للدورة الاستثنائية.
وثالثاً، عبر تحريك بري أمس «جماعاته» على الأرض لزيادة الضغط على العهد من بوابة الشارع، والقول إن رئيس المجلس لا تزال في يده أوراق كثيرة يستخدمها؛ من بينها «الفوضى المنظمة».
أما المعترضون على الحوار فرأوا في إصرار عون على الدعوة «تأكيداً على فكرة أن رئيس الجمهورية يريد تبييض صفحته، وتحميل المعترضين أو المقاطعين المسؤولية أمام الرأي العام اللبناني والمجتمع الدولي بأنهم هم من يعطلون الحل». فيما أكد مكتب الإعلام في رئاسة الجمهورية، في بيان، أنّ «دعوة رئيس الجمهورية إلى الحوار ستبقى مفتوحة، وإذ يأمل أن يغلب الحسّ الوطني للمقاطعين على أي مصالح أخرى، يدعوهم إلى وقف المكابرة».