من لم يكن يتلذّذ بمذاق الـ «نوتيلّا»؟ اليوم لامس سعرها الـ100 ألف ليرة، وربما أكثر بعد كتابة هذه السطور. لكنّ هناك من قرّر توفير نصف كلفتها باستبدالها بماركة تجارية أخرى. حالياً، الطلب كبير على «توركو» التي لا يتجاوز ثمن الـ«مرطبان» منها الـ50 ألف ليرة، علماً أن هذه الأسعار أيضاً تتبدّل تبعاً لتقلبات سعر الصرف.تغيّرات كثيرة طرأت على السلوك الاستهلاكي. بعض المنتجات صار مخصّصاً للميسورين في أماكن تشبههم. وبعضها الآخر اختفى نهائياً وحلّت محله أسماء تجارية مختلفة أو سلع مزوّرة أو علامات جودة مختلفة. سلوك المستهلك تطبّع مع الأزمة ومع تدهور القدرة الشرائية. والتنافسية التجارية، أيضاً، تطبّعت مع الأزمة لتصبح السيادة الأكبر للسلع التركية في أسواق بعض أصناف الغذاء اليومي والحلويات والملابس.
ينتقل السوق تدريجياً من السلع الأصلية إلى البدائل الأرخص التي قد تكون مختلفة بالكامل، وأحياناً مزوّرة أو مقلّدة أو مخصّصة لأسواق البلدان المنخفضة الدخل. تدهور الناتج الفردي إلى أقلّ من 4000 دولار سنوياً عام 2020، وأكثر من ذلك في عام 2021 (لم تصدر أرقام بعد)، بدّل أولويات المستهلك.
وفيما تتقاسم المنتجات التركية مع المنتجات الإيرانية والسورية السيادة في الضواحي والمناطق، فإن السير وفق قاعدة «جودة مقبولة وسعر أقل» أدّى إلى رواج المنتجات التركية في محالّ السوبرماركت بسبب أسعارها المتدنية مقارنة بأسعار المنتجات المماثلة الأخرى، ولكونها الأقرب، بالشكل والمضمون، إلى المنتجات التي كانت تُستهلك أيام «العزّ»، خصوصاً في قطاع الحلويات والملابس. لوح شوكولا «كيت كات»، مثلاً، الذي يتقطّع عرضه في السوق يصل سعره إلى 14 ألف ليرة، في مقابل منتج تركي بغلاف أحمر مشابه لا يتعدّى سعره 8 آلاف ليرة. وبالمثل، حلّت سلع تركية محل غالبية منتجات «نستله» (نسكافيه، حليب نيدو، كوفي ميت...) التي لا تتوافر في الأسواق، تشبهها شكلاً وإن بجودة أقلّ.
ومع ارتفاع أسعار الزيوت المصنوعة في السعودية أو في دول خليجية أخرى، كـ «مازولا» الذي يصل سعر الـ8 ليترات منه إلى نحو 527 ألف ليرة، عمد المستهلكون إلى استبدالها بزيوت أرخص بكثير، مثل «قسمت» و«محبوبة» وسواهما من المنتجات التركية، وأسماء تجارية لزيوت مصنّعة محلياً غالبيتها زيوت مكرّرة، مثل «سليم» و«غندور»...
ارتفاع الأسعار أحدث تغييراً عميقاً في بنية الطلب السوقي فغابت أسماء تجارية وحلّت بدلاً منها سلع جديدة أو مزوّرة


في سياق تداعيات الأزمة أيضاً، عمدت شركات محلية إلى التخلّي عن خطوط إنتاج بعض المنتجات أو تقليصها، واستعادة خطوط سابقة. «بيبسي»، مثلاً، التي تستحوذ على القسم الأكبر من السوق المحلية للمشروبات الغازية، ولم يعد ينافسها اليوم ولا سيما عند المستهلكين الأفقر، إلا «آر سي» بعد إغلاق مصنع «كوكا كولا» وصرف موظفيه، تخلّت عن قارورة البلاستيك وعادت إلى الزجاجة التي تعاد تعبئتها، إذ إن كلفة قارورة البلاستيك التي كانت تمثّل نسبة صغيرة من كلفة المنتج النهائي، أصبحت اليوم أكبر بكثير، ما دفع الشركة إلى المفاضلة بين خيار رفع السعر إلى حدّ يؤدي إلى تقليص الاستهلاك، وبين استعادة الحملات الإعلانية القديمة بعنوان: «شربا ردّا». الزجاجة أوفر وأربح للشركة من البلاستيك.
وهناك عينات أخرى في السوق عن سلع مختلفة أصيبت بالعدوى نفسها. شركة «المراعي» السعودية لإنتاج الألبان والأجبان قلّصت صادراتها إلى لبنان، وغالبية أصناف هذه الماركة لم تعد متوافرة، فتوجّه المستهلكون إلى منتجات «تعنايل» و«خوري» و«عقل» وسواها، رغم أن أسعارها ارتفعت كثيراً. فيما بعض شرائح المستهلكين الأكثر هشاشة استعادت تقاليد تحضير الألبان والأجبان منزلياً وتخزينهما لفترة الشتاء كاملة. ويتردّد حالياً أن شركة دانماركية تجري مفاوضات مع مصانع ألبان وأجبان لشراء حصص فيها لأنها تعتقد أن هذه الصناعة ستستحوذ على حصة سوقية كبيرة في الفترة المقبلة.
ثمة أمثلة كثيرة في السوق، لكنّ غياب منتجات «أميركانا» الأميركية كان لافتاً، إذ بات مبيعها محصوراً في الأماكن التي يرتادها الأثرياء وبكميات محدودة بعدما وصلت أسعارها إلى معدلات قياسية. وفي مجال المستحضرات الشخصية، غابت علامة الجودة السعودية «saso» عن المنتجات التي كانت تأتي إلى لبنان مثل الشامبو والبلسم وسواهما. فيما المنتجات التي كانت موسومة بعلامة «Unilever» البريطانية وتتضمن أكثر من 400 علامة تجارية (فازلين، دوف، كلير، ريكسونا، صنسيلك، ليبتون...)، أصبحت تأتي بعلامة أخرى، وإن كان بعضها يحمل الاسم التجاري نفسه، ويُصنّع في الأردن ومصر وسوريا، والأمر نفسه ينطبق على علامة «هينيكل» الألمانية الأكثر شهرة في مجال صناعة مساحيق الغسيل، فيما تغيب أختام الجودة عن كثير من المنتجات، في مؤشر إلى انتشار السلع المقلّدة.

المحلّي أغلى!
السلع المحلية في أي بلد هي الأرخص، أمّا في لبنان، فالقواعد دائماً مختلفة. على سبيل المثال، سعر لوح شوكولا «توتي فروتي» الذي تنتجه شركة «غندور» اللبنانية يبلغ 8500 ليرة، أي ما يوازي سعر شوكولا «سنيكرز» المستورَد، وسعر «كيك براوني» (4 آلاف ليرة) الذي تنتجه شركة «ريماس» اللبنانية يوازي سعر «fierro» التركي، وسعر كيس بطاطا (تشيبس) «fantasia» اللبنانية يبلغ 13 ألف ليرة، فيما يباع منتج «pringles» بـ13 ألفاً و500 ليرة.