أعلن متعهدو أعمال التشغيل والصيانة في الجمهورية اللبنانية التوقف عن العمل في كل مشاريع التشغيل والصيانة العائدة لمحطات تكرير المياه والصرف الصحي والمباني الحكومية والجامعية، بدءاً من مطلع العام الجديد، في خطوة حذّر وزير البيئة ناصر ياسين، في اتصال مع «الأخبار»، من «تداعيات كارثية لها»، لافتاً إلى أن «توقف محطات تكرير الصرف الصحي، والكثير منها متعثر أصلاً، سيفاقم تلوث الأنهر والبحر حيث ستحوّل مياه الصرف الصحي من دون معالجة».المتعهدون عزوا قرارهم إلى «تقاعس الإدارات المعنية من وزارات الطاقة والمياه والتربية والمالية ومجلس الإنماء والإعمار والمؤسسات العامة عن القيام بالمطلوب منها لناحية تجديد عقود المقاولين المنتهية منذ أكثر من ثلاث سنوات» و««لناحية تعديل الأسعار الإفرادية لتتلاءم مع الأسعار الرائجة حالياً نتيجة انهيار سعر صرف الليرة أمام الدولار»، لافتين إلى «أن جميع المواد المستعملة في هذه الأعمال تدفع للموردين بالدولار النقدي، وخصوصاً مادة المازوت الحيوية».
«مظلومية» المتعهدين رأى فيها مصدر قانوني «ابتزازاً للدولة طمعاً في تعويضات وفي تعديل العقود». وأوضح لـ«الأخبار» أنه «لا يحق للمتعهدين التوقف عن تنفيذ التزاماتهم»، مشيراً إلى أنهم «يطالبون بمضاعفة السعر الإجمالي 18 مرة بغضّ النظر عن الفترة وعن عناصر التكلفة وعن استمرارهم في تنفيذ العقود». ولفت إلى أن ديوان المحاسبة أصدر رأياً استشارياً، في 23 كانون الأول الماضي، حول «تداعيات الأزمة المالية على العقود في القطاع العام»، خلص إلى أن «إمكانية تعديل قيمة العقود القائمة والمتعلقة بالتشغيل والصيانة تنطلق من نظرية الطوارئ الاقتصادية عند حصول زيادة الأسعار من جراء الطارئ الاقتصادي الذي لحق بالعقد من خلال إجراء ملحق (Avenant) على العقد المذكور يتم فيه تعديل الأسعار الأساسية الملحوظة بشكل يتناسب مع الارتفاع الحاصل في الأسعار، شرط أن يكون العقد الأساسي ما زال قيد التنفيذ (...) وشرط وضع معادلات للأسعار وفق الأصول الفنية والقانونية وعلى أسس واقعية تظهر حجم المتغيرات في كل عنصر من عناصر العقود الإدارية، بحيث يتم تحليل الكلفة التشغيلية و احتساب الزيادة بحسب العبء الاقتصادي الذي أضيف على كل عنصر».
هذا الرأي الاستشاري، بحسب المصدر، «لم يلق استحسان المتعهدين الذين يريدون الاستمرار في ابتزاز الدولة، والتكسّب من مجلس الإنماء والإعمار والوزارات، رغم أنهم استحصلوا على الصفقات (خصوصاً تشغيل محطات التكرير والجامعة اللبنانية ومراكز جمع النفايات وفرزها وطمرها)، من خلال حرق الأسعار قبل عام 2019، طمعاً بتعديل العقود وإصدار جداول مقارنة تزيد الأسعار».
الكثير من المشاريع التي يطالب المتعهدون بتعديل أسعارها أثبت فشله وسوء تنفيذه وإدارته


وذكّرت المصادر بالأرباح التي جناها «متعهّدو الجمهورية» من تنفيذ مشاريع القطاع العام. علماً أن «الكثير منها أثبت فشله وسوء تنفيذه وإدارته، فضلاً عن شبهات الهدر والفساد والمحاصصة والزبائنية التي طاولت كثيرين منهم». واعتبرت أن «وقف الأشغال وتسليمها يعني السطو على الدفعات التي تدفع مسبقاً للمتعهدين عند إبرام العقد (Advance payment)، فضلاً عن أن الدولة تدفع التكاليف الأولية لتحضير الموقع المنوي تنفيذ المشروع فيه بالدولار أيضاً في ما يعرف بالتحضير اللوجيستي المسبق (Mobilization)». كما أنه «لا يجوز لمن قبض المستحقات التحضيرية التي تصل إلى 20 و 30 في المئة من قيمة العقد أن يتخلى عن التزاماته ويتذرع باختلاف السعر». وسأل عن «مصير المستحقات المسبقة الدفع ومصير المشاريع التي ينفذها المتعهدون ويقبضون تكاليفها بالدولار بتمويل من جهات أجنبية؟».
وعلمت «الأخبار» أن خطوة المتعهدين يقف خلفها بشكل رئيسي كل من المتعهد محمد دنش (ملتزم تشغيل وصيانة مجمع الحدث الجامعي وعدد من المرافق الحكومية) ونزيه بريدي (ملتزم تشغيل عدد من محطات التكرير من بينها محطة جب جنين). دنش أكد لـ«الأخبار» أنه لم يطالب بوضع تسعيرة جديدة لالتزاماته، بل بإنهائها كلياً وتسليمها للدولة. فـ«منذ عشرين شهراً لم نتقاضَ أياً من مستحقاتنا عن تشغيل وصيانة مبنى الجامعة اللبنانية المركزي. ورغم انتهاء عقد التلزيم بيننا وبين الدولة، رفضت إدارة الجامعة تسلم أعمال الصيانة والتشغيل، ما أجبرنا على الاستمرار في تأدية مهامنا من دون عقد أو أموال». واستعرض ما يتكبده المتعهدون من «خسائر يومية بسبب الفرق بين تسعيرة الدولة للدولار وفق سعر الصرف الرسمي وكلفة التشغيل والصيانة وفق سعر صرف السوق الموازية»، لافتاً إلى «أننا راسلنا رئاستي الجمهورية والحكومة ومجلس الإنماء والإعمار لشرح معاناتنا ولم نلق جواباً».
إلا أن مصدراً في أحد برامج التمويل أكد لـ«الأخبار» أن «جميع المتعهدين لديهم أشغال مموّلة محلياً ومشاريع مموّلة من جهات خارجية، وأن المشاريع الممولة محلياً عقودها مبرمة بالدولار، ويتم تسديدها بالدولار، من قبل مجلس الإنماء و الإعمار كإدارة الجامعة اللبنانية. لذلك، ألزمتهم النيابة العامة المالية بمتابعة الأشغال وبأن يقدم كل متعهد جدولاً بالمشاريع التي حصل عليها من الفئتين، وقد تبيّن أنهم يحصلون على معظم مستحقاتهم عن المشاريع الممولة خارجياً بالدولار الطازج».