حكم الظروف
في مرأب والده المخصص لتصليح السيارات، يقضي فادي يومه محاولاً تعلّم مهنة لم يخطر له يوماً أنها ستشكّل مصدر رزقه. الشاب الحائز إجازة في إدارة الأعمال والمتخصص في الشؤون المالية بدّلت الأزمة مسارات حياته. عام 2019، بعد أشهر قليلة على تخرّجه من إحدى الجامعات الخاصة، بدأت أحوال البلد بالتراجع. مع انقضاء عامٍ كامل في رحلة البحث عن عمل، اتخذ فادي قراره بمساعدة والده بعدما تخلى الأخير عن العامل الوحيد لديه من باب تخفيف المدفوعات. «كان اقتصادنا قائماً على الخدمات، وهو من أكثر القطاعات التي تضررت، شركات أقفلت أبوابها وأخرى تخلّت عن موظفين لديها» يقول الشاب العشريني، مستطرداً: «لا أملك رفاهية الاختيار».


محاربة التسوّل
يحمل خضر أحمد (30 عاماً) دلواً وممسحة ويجول في طرقات طرابلس، حيث ولد ويعيش، بحثاً عن منازل أو محال تجارية يساعد أصحابها في تنظيفها. على مدى سنوات طوال، كان خضر يرعى مسنّين في المدينة، استعانت به عائلاتهم، إما بسبب السفر أو السكن خارج طرابلس أو ظروف العمل. مع وفاة بعضهم واستغناء البعض الآخر عن خدماته التي سقطت من جدول الأولويات المتبدّلة مع تبدّل الأوضاع، لجأ إلى العمل في التنظيفات. واجه معارضة اجتماعية في مدينة لها خصوصيتها، وسمع عباراتٍ من قبيل «بدك تشتغل متل النسوان» في مجتمع ما زال ينمّط الأدوار. لخضر ولدان (4 و5 سنوات) وزوجة، ووالد ووالدة يعانيان من أمراضٍ مزمنة، ولا معيل لهم سواه. منذ أشهر توقف عن عدّ بدلات إيجار منزله المتراكمة، أما الديون فمستحقّة لبائع الخضر ومحل السمانة وغيرهما. طوال حديثه، حَرِصَ خضر على التأكيد أنه يحارب الوصول إلى مرحلة التسوّل، متسلحاً بقاعدة «الشغل مش عيب»، وكل ما يطلبه تعميم رقمه علّه يتلقى طلبات تنظيفٍ متوقّفة بدورها منذ أسابيع. (81398361)

المفاضلة بين الأدوية
تختار سعاد من وصفتها الطبية ما ستبتاعه من أدوية من دون مراجعة الطبيب. فالأمر اليوم أصبح مرتبطاً بالقدرة المادية أكثر منه بالرأي الطبي. وعلى وقع سعر صرف الدولار وبورصة أسعار الأدوية المحرر معظمها من الدعم، تجري السيدة الخمسينية عملياتها الحسابية. أبقت على المنوّمات وأدوية الأعصاب واستثنت تلك الخاصة بأوجاع العظام رغم احتمال تدهور حالتها الصحية، وذلك إفساحاً في المجال لشراء ما لا تشمله تغطية وزارة الصحة من أدوية لزوجها المصاب بمرض التصلّب اللويحي المزمن.

انقطاع عن التعليم
لم يعد في مقدور ليلى سداد متطلبات تعليم أطفالها الثلاثة وسط ارتفاع كلفة النقل بشكل شبه أسبوعي تزامناً مع تزايد أسعار المحروقات، فضلاً عن متطلبات العام الدراسي برمّته. قرّرت أن يتوقف ابنها الأكبر (16 عاماً) عن الدراسة هذا العام، وربما المقبل أيضاً. انقطاع تصفه ليلى بـ«المؤقت» إلى أن «يتّضح على أي حالٍ سيستقّر البلد»، مبررةً ذلك بأن الأختين الأصغر سناً تتلقيان تعليمهما في مدرسة قريبة من مكان سكن العائلة، وأن ابنها الأكبر يمكنه مساعدتها في زيادة مدخول الأسرة عبر عملٍ بدأ يزاوله حديثاً في أحد معامل الخياطة القريبة.