حتى عشية موعد متوقع لصدور قرار للمجلس الدستوري، اي مجلس دستوري كما اي قانون مطعون فيه، تدور التكهنات من حول احد خيارين كون لا ثالث لهما: رد مراجعة ابطال القانون او القبول بها. في الخيار الثاني احتمالان لا ثالث لهما ايضاً: ابطال القانون كلياً او جزئياً. اما ما يصيب مراجعة إبطال قانون الانتخاب الرقم 8/2021 الموضوعة امام المجلس الدستوري لشهر خلا، فمختلف تماماً.لا تقتصر التكهنات على اي قرار سيصدر، ولا على عدم صدوره، بل تذهب الى جدل بات يرافق المجلس الدستوري اللبناني في حالات شتى، ولا تجاريه فيه مؤسسات دستورية دولية اخرى: يحضر اعضاؤه العشرة ام لا يحضرون؟ هو سيد نصابه ام ثمّة اولياء على هذا النصاب، يصعدون به ويهبطون، ساعة يشاء؟ ابعد من ذلك: هل انتقلت اللعنة التاريخية للمادة 49 من الدستور، المتعلقة بانتخاب رئيس الجمهورية، الى المجلس الدستوري كي تميّز نصاب الالتئام عن نصاب التصويت، وتذهب الى ابعد في التحكم بأحد هذين النصابين لمنع صدور القرار. واقع الامر ان العدوى تفشّت. بات في الامكان التحدث بسهولة ويقين عن ان ما لحق بمجلس الوزراء في اتفاق الدوحة عام 2008 وأضحى عرفاً وقاعدة، طَرَقَ ولا يزال ابواب المجلس الدستوري: ثمّة ثلث معطّل فيه يمسك به طرف او ائتلاف اطراف، يتحكم بالمؤسسة التي وصفتها المادة الاولى في قانون انشائها بأنها «هيئة دستورية مستقلة ذات صفة قضائية». ثلث جديد قادر على تعطيل الانعقاد كما التصويت.
ليس في قانون انشاء المجلس الدستوري، في كلتا المادتين 20 و21 اللتين تحددان آلية وضع اليد على مراجعة ابطال قانون والمدد التي يستغرقها اعداد التقرير المتعلق به وصولاً الى موعد صدور القرار والنصاب الملزم له، ما يفسّر مغزى عدم صدور قراره وإن هو يتحدث عنه. في الفقرة الاخيرة من المادة 21، ان في حال عدم صدور القرار ضمن المهلة المحددة «يعتبر النص موضوع المراجعة مقبولاً». لا تورد المادة 21 تبريراً لعدم صدور قرار في قانون مطعون فيه، والمفترض انه غير دستوري فأضحى اذذاك دستورياً، ولا الاسباب التي من شأنها ان لا يصدر. الا ان المادة 11 في القانون نفسه، تلحظ نصابي انعقاد المجلس المؤلف من عشرة اعضاء وطريقة اتخاذه قراراته: ثمانية اعضاء على الاقل كي يلتئم اصولاً، وتصويت سبعة اعضاء على الاقل توطئة لصدور القرار. ذلك ما تورده ايضاً المادة 37 من قانون النظام الداخلي للمجلس الدستوري بالقول «اذا لم يصدر القرار ضمن المهلة القانونية يكون النص ساري المفعول، وينظم محضر بالوقائع، ويبلغ رئيس المجلس الى المراجع المختصة عدم توصل المجلس الى قرار».
منذ عام 2013 للمجلس الدستوري ثلث معطل يتحكم بنصاب انعقاده او تصويته


ما لم يسع الاجتهاد القانوني فعله، أنجده الاجتهاد السياسي في ايجاد اسباب عدم صدور قرار عن المجلس الدستوري، عبر «تغييب» - لا تغيّب بعذر - للاعضاء الثلاثة الذين يكفلون نصاب اتخاذ القرارات، على نحو مماثل لما كان حدث عام 2013. المتغيّبون - لا الغائبون - يفضّلون التعبير عن رفضهم تقرير المقرّر بالانقطاع عن جلسات المذاكرة، عوض التزام المادة 12 في قانون انشاء المجلس القائلة ان للعضو المخالف تدوين مخالفته وتوقيعها واعتبارها جزءاً لا يتجزأ من القرار. بيد ان المقصود ليس مخالفة القرار، بل الحؤول دون اتخاذه. وهو الدور الذي يضطلع به آباء المجلس الدستوري.
مذذاك نشأت تلك السابقة، وأضحت نموذجاً يدرج لاحقاً في كل مرة اختلف الافرقاء المعنيون بالقانون المطعون فيه، سواء كانوا معارضين له او مؤيدين، الى ان يتوصلوا الى تسويات من خارج المجلس الدستوري، فلا يعود اليه اذذاك الا تبرير عدم صدور قراره.
وقتذاك تقدّم، كلٌ على نحو منفصل، الرئيس ميشال سليمان وتكتل التغيير والاصلاح برئاسة الرئيس ميشال عون، بمراجعتي ابطال قانون تمديد ولاية مجلس النواب الرقم 246/2013 المقر في 31 ايار 2013، في اليوم الاخير من العقد العادي الاول للمجلس والمنشور في اليوم التالي. ما بين 6 حزيران و21 منه، التأم المجلس الدستوري في ست جلسات متتالية. الجلستان الاوليان حضر تسعة اعضاء بينما تغيّب العاشر (انطوان خير) بداعي السفر. منذ الجلسة الثالثة في 11 حزيران الى الجلسة السادسة في 21 حزيران، حضر سبعة اعضاء بينهم العضو المسافر، فيما تغيب بلا عذر ثلاثة هم العضوان الشيعيان سهيل عبدالصمد وبسام مرتضى والعضو الدرزي احمد تقي الدين. الاعضاء السبعة كانوا يكفون لاتخاذ القرار، بيد انهم افتقروا الى نصاب الالتئام الذي يوجب حضور ثمانية اعضاء. بذلك تعذر ابطال قانون تمديد ولاية مجلس النواب سنة وخمسة اشهر، تنتهي في 20 تشرين الثاني 2014، فأضحى سارياً.
في الايام الاخيرة شاعت اقاويل شتى حيال مصير قانون الانتخاب الرقم 8/2021 المطعون فيه، واتخذت من سابقة 2013 قدوة صالحة للتعميم مجدداً، من خلال تعويل الكتل النيابية على رجالها في المجلس الدستوري، المدينين لها بتعيينهم. حتى مساء امس، عشية صدور القرار المتوقع اليوم، لم يكن قد سُرّب تماماً بعد المنحى الذي سيتخذه قرار المجلس الدستوري حيال القانون المطعون فيه، إبطالاً او قبولاً. بيد ان كمّاً واسعاً من التكهنات استبقته بالحديث عن تسويات سياسية جانبية تفضي حكماً الى اصدار المجلس الدستوري قراراً يطابق التسوية تلك ويشرّعها.
في ذروة السجال المرافق للمهمة الحالية للمجلس الدستوري، سارع الافرقاء المعنيون الى وضع اسلحتهم على طاولته: واضعو مراجعة الابطال هددوا بتغييب الاعضاء المسيحيين في المجلس الدستوري اذ بدا قراره ردّ المراجعة، ومعارضو المراجعة هددوا بدورهم بتكرار سابقة 2013 - مع احتمال توسيع نطاق التغييب بانضمام اعضاء سنّة - في حال ابطل المجلس الدستوري القانون استناداً الى تفسيره لنصاب الاكثرية المطلقة في مجلس النواب، المختلف عليها الى الآن.
مكمن التقاطع الوحيد بين الفريقين، الطاعن كما الرافض للطعن في آن، توجسهما من المقاربة المحتملة للمجلس الدستوري حيال تصويت الانتشار. كلاهما، الاكثر حماسة لاشهر خلت لاقتراع الانتشار للمقاعد الوطنية الـ128، انقلبا عليه وغدا اقرب الى تفضيل الاقتراع للنواب القاريين الستة.