عندما قرر وزير الصحة فراس أبيض «ترشيد» الدعم على أدوية الأمراض المزمنة، لم يأخذ في اعتباره ما يمكن أن تكون عليه ردود فعل الناس، وتحديداً المرضى منهم، على القرار ــــ الكارثة الذي أدّى إلى حرمان كثيرين من أدويتهم «طوعاً» بعدما باتت أسعارها تفوق قدرتهم على شرائها. ولم تهدأ بعد العاصفة التي خلّفها القرار لسببَين: أن خيار «الترشيد» لم يكن صائباً من جهة، وأن الهدف الذي من أجله كان لم يتحقق، إذ لا يزال البحث عن أدوية الأمراض المزمنة «بالسراج والفتيلة» جارياً.هذا الخطأ أوصل أبيض إلى قرارٍ يقضي ضمناً بـ«التوبة» عن أيّ إجراء لحلحلة أزمة الدواء عن طريق رفع الدعم. لذلك يعمل اليوم على لملمة ما تسبّب به، عبر محاولة توفير حلول، «لن تكون بالتأكيد بسلوك الطريق نفسه»، على ما تقول مصادر في الوزارة.
ثمة اتجاه يترسّخ يوماً بعد آخر بفتح الباب أمام أبواب أخرى، على قاعدة إفساح المجال أمام دخول شركات جديدة وأدوية جديدة، للعمل لمحاولة سدّ بعض من النقص في أدوية الأمراض المزمنة الذي تخلّفه الشركات الموكلة حالياً باستيراد وتوزيع الدواء في السوق. وفي هذا السياق، تشير المعلومات إلى أن وزير الصحة حسم أمره، وهو في صدد إصدار قرارٍ يقضي بـ«التسجيل المبدئي» للدواء بما يسمح بتسجيل أدوية جديدة في محاولة لتعويض بعض النقص في السوق. وهذا يفترض، بطبيعة الحال، «وضع لائحة من الشروط التي تحافظ على جودة ومستوى الأدوية في السوق». أما آلية التنفيذ، فتقضي بإحالة الملفات التي تستوفي الشروط إلى لجنة علمية للموافقة عليها. وبحسب المعطيات، فإن اللجنة «أبلغت الوزير بقدرتها على درس الملف في غضون أيامٍ ثلاثة. وفيما لم تطرح بعد نسب التسعير، تشير المعلومات إلى أن طريقة تسعير الأدوية الجديدة «ستحدد بحسب بلد المنشأ وبحسب الشرائح (شرائح الأدوية A1 وA2 وB)، على أن «المؤكد أن البراند الجديد سيكون أقل بنسبة معينة من البراند (الأصيل) الموجود وكذلك الحال بالنسبة إلى الجينيريك (البديل)».
قرار كهذا سيفتح الباب أمام شركاتٍ، معظمها ناشئ، للدخول إلى السوق، انطلاقاً من كون الشركات الكبرى الموجودة أصلاً لن تكون في وارد الدخول في تلك التجربة، وهي لم تحلّ بعد «أزمتها» القائمة.
هل يكون القرار كمَن يحاول الهرب من رفع الدعم بفتح بابٍ جديدٍ لشركات جلّ همّها الانتفاع؟


بغضّ النظر عمّا يمكن أن تؤول إليه النهايات وعن المستفيدين من الآتي، إلا أن دون هذا القرار تساؤلات قد تكوّن صورة واضحة عن مدى جدواه: هل ستكون الشركات المتقدمة قادرة على استيفاء الشروط المطلوبة التي تؤكد المصادر أنها ستكون صارمة؟ وهل ستكون اللجنة العلمية المصغرة التي شكّلها أبيض قادرة على دراسة الملفات بسرعة على ما وعدت؟ وفي حال استطاعت الشركات المتقدمة استيفاء الشروط، هل ستكون قادرة على تلبية حاجة السوق من أدوية الأمراض المزمنة، وخصوصاً الشرائح الكبيرة منها؟ وهل ستفسح شركات استيراد الدواء الموجودة حالياً في السوق المجال أمام «اقتحام» شركاتٍ أخرى لهذا السوق؟ وهل هناك أساساً شركات لديها الشجاعة للدخول في استثمار في البلاد، ولو على قاعدة تسجيل مبدئي؟ والأهم من ذلك كله، أين أصبح قرار «الاستيراد الطارئ» الذي أصدره وزير الصحة السابق حمد حسن ويقضي بإدخال أدوية جديدة لتعويض النقص، كما هي الحال بالنسبة إلى القرار الحالي، ولماذا لم يستكمل؟
ليس بعيداً عن تلك الهواجس، ثمة خوف لدى البعض من أن يفتح القرار الباب فقط لدخول بعض الشركات إلى البلاد عبر تسجيل أدويتها وحجز مكانٍ لها من دون أن تؤمن الدواء، أو في أحسن الأحوال تأمينه كما هي الحال اليوم، وكما تفعل شركات استيراد الدواء التي «تلهي» السوق ببعض أصناف الأدوية من دون أن تسدّ حاجة المرضى. أضف إلى ذلك، إن كان بالإمكان تعويض بعض النقص في فئة الأدوية المزمنة «A1» التي لا تزال مدعومة فقط بـ 25%، إلا أن الخشية هنا من تضاؤل إمكانية النجاح في الفئتين التاليتين، والمدعومتين على أساس 45% و65%. فهنا، قد تكون إمكانية بعض الشركات على تقديم أسعارٍ قريبة من الأدوية المدعومة جزئياً أو أقل، مع الحفاظ على مستوى جيد من النوعية، صعبة، إن لم تكن مستحيلة
وبناءً على سبق: هل سيفتح قرار الوزير كوّة في الجدار؟ أم سيكون كمن يحاول الهرب من قرارات رفع الدعم بفتح بابٍ جديدٍ لشركات جلّ همّها الانتفاع؟