شهدت الساحتان اللبنانية والفلسطينية، في الأيام الماضية، حادثتين متشابهتين بفارق 24 ساعة بينهما. في لبنان، أطلقت عناصر أمنية تابعة للسلطة الفلسطينية النار على مشيّعي الشهيد حمزة شاهين الذي قتل في انفجار مسجد أبيّ بن كعب في مخيم برج الشمالي جنوب لبنان ليل الجمعة الفائت. في اليوم التالي، أطلق مسلحو السلطة النار على مشيّعي الشهيد جميل كيال الذي اغتاله جنود العدو الإسرائيلي بإطلاق النار عليه في نابلس شمال الضفة الغربية. في الحادثتين، استعمل الأمن الفلسطيني الذي يقوده اللواء نضال أبو دخان الذريعة نفسها، وهي مشاركة مسلحين في مسيرتي التشييع. في حادثة إطلاق النار الأولى في لبنان، سقط 3 شهداء بالرصاص الحي. وفي الثانية، لم يصب أحد، لكن تعرض مشيّعون لاختناق بسبب كثافة الغاز المسيل للدموع الذي ترافق مع قمع القوات الأمنية للمشيعين.السياسة التي تنتهجها الأجهزة الأمنية الفلسطينية متواطئة بشكل واضح وصريح مع أهداف العدو الإسرائيلي، انطلاقاً من مبدأ «التنسيق الأمني المقدس» الذي تؤمن به السلطة. ففي الضفة الغربية المحتلة تتعامل الأجهزة الأمنية الفلسطينية مع المقاومة على أنها مصدر تهديد لاستقرار السلطة، وتصنف المقاومين على أنهم إرهابيون. لذلك، عندما لا تستطيع إسرائيل مواجهة المقاومين في الضفة المحتلة، توكل المهمة إلى السلطة، بدليل طلب العدو الإسرائيلي من السلطة، الشهر الماضي، القضاء على مقاومين في جنين خوفاً على حياة جنوده في حال دخلوا المخيم، وهو ما استجابت له أجهزة رئيس السلطة محمود عباس، معلنة بدء حملة عسكرية لـ«تطهير» المخيم. ولا يقف التنسيق عند هذا الحد، فعندما لا تتمكّن السلطة من اعتقال مطلوبين لديها ولدى العدو، يعمد جنود العدو إلى تصفيتهم، كما حصل مع الشهيد جميل كيال وقبله الشهيد جميل العموري.
التنسيق الأمني بين الطرفين حاجة إسرائيلية، وهو الدافع الوحيد الذي يُجبر حكومة نفتالي بينت ووزير أمنه بني غانتس ورئيس الشاباك رونين بار على مساعدة السلطة مالياً لمنعها من الانهيار ولتستكمل دورها الأمني لمصلحة إسرائيل.
بالنسبة إلى قيادات حركة «حماس» في لبنان، فإن ما حدث في مخيم برج الشمالي مؤشر على انتقال «التنسيق الأمني» بين السلطة وإسرائيل من الأراضي المحتلة إلى لبنان. إذ تقول قيادات في الحركة إنها تملك معلومات على أن «الأمن الوقائي» بقيادة ماجد فرج، نقلت «معلومات للعدو الإسرائيلي عن مراكز الحركة في لبنان، وهو ما بدأ العدو بتسريبه عبر الإعلام». وقد نشر محلل الشؤون العسكرية لصحيفة «يديعوت أحرونوت»، إليؤر ليفي، في الثالث من الشهر الجاري، مقالاً عن بناء «حماس» لذراع عسكرية في لبنان، استعداداً لأي مواجهة عسكرية مقبلة بين قطاع غزة وإسرائيل. وذكر ليفي في مقاله منطقة صور الجنوبية، مشيراً إلى مخيم برج الشمالي على أنه مصدر الصواريخ التي أطلقت باتجاه الأراضي المحتلة خلال معركة «سيف القدس» في أيار الماضي.
بالنسبة لـ «حماس» ما حدث في مخيم برج الشمالي مؤشر إلى انتقال «التنسيق الأمني» بين السلطة وإسرائيل إلى لبنان


تدرس قيادات في «حماس» كل الفرضيات في ما يتعلق بالتفجير، منها أنه مفتعل، رغم أن التحقيقات التي تجريها بالتعاون مع جهات رسمية وحزبية لبنانية، أظهرت حتى الآن أنه ناجم عن «ماس» كهربائي أدى إلى اشتعال خزان مازوت قرب المسجد وانفجاره مع أسطوانات أوكسجين في مستوصف ملاصق، مما أدى إلى استشهاد حمزة شاهين الذي كان موجوداً في المسجد. بالنسبة لـ«حماس»، مهما كان سبب التفجير، من المؤكد أن المستفيد الأول منه هو العدو الإسرائيلي.
إلا أن ما جرى من إطلاق نار على المشيعين في مخيم برج الشمالي، دفع بقيادات الحركة إلى إعادة قراءة المشهد من جديد، وتأكيد وجود تقاطع للمصالح بين أطراف في السلطة الفلسطينية والعدو الإسرائيلي، وأن هناك أشخاصاً في قيادة السلطة يطمحون للعب الدور الذي يلعبونه في فلسطين، ولكن هذه المرة في لبنان.
وتؤكد مصادر قيادية في «حماس» أن ما جرى خلال التشييع في برج الشمالي من إطلاق النار على المشيعين، كانت «حماس» وحزب الله يتوقعانه. فبعد فشل الكمائن التي تعرض لها حزب الله في خلدة والطيونة، أدركت الحركة أن الساعين إلى إشغال المقاومة اللبنانية والفلسطينية سيلعبون ورقة المخيمات الفلسطينية، لإعادة طرح ملف السلاح على الطاولة، وإعادة إحياء القرار الأممي 1559، لاستهداف المقاومة. هذا المشهد بحثته «حماس» مع قيادة المقاومة التي كان لديها التصور نفسه، إلا أن ما كان مجهولاً هو كيف سيتم ذلك: هل عبر إحياء ملف «داعش» في المخيمات، أم عبر اشتباك بين أحد الفصائل والجيش اللبناني؟ يعترف مصدر قيادي في «حماس» أن «المفاجأة جاءت في مخيم برج الشمالي»، الملاصق لبيئة المقاومة، وأن «قرار افتعال الحادث ليس فردياً بل صادر من رام الله، ومعدّ له مسبقاً، وله بعد خارجي عربي»، ما أكدته التغطية الإعلامية لقنوات مناوئة للمقاومتين اللبنانية والفلسطينية. وبالنسبة لقيادة «حماس»، فإن قائد الأمن الوطني نضال أبو دخان ورئيس جهاز المخابرات العامة الفلسطينية ماجد فرج يستخدمان المخيمات في لبنان لدعم فرج في معركته لخلافة عباس.
تؤكد قيادات في «حماس» أنه في اجتماع عقد بعد الانفجار، اتفقت الحركة مع «فتح» على مسار التشييع، «لا بل تم الاتفاق على كل شيء، إذ أبلغناهم عن مشاركة مسلحين في التشييع لتأمين الحماية لأعضاء مكتبنا السياسي المشاركين في الجنازة. وفي المقابل أكدوا لنا مشاركة السفير الفلسطيني أشرف دبور في التشييع، وأن فرقة من الأمن الوطني ستطلق 21 طلقة تكريماً للشهيد».
إلا أنه بعد سلسلة أحداث منها منع «حماس» عناصر الأمن الوطني من دخول مكان الانفجار وتغيّب دبور عن الجنازة، وجّهت الحركة عناصرها بضرورة ضبط النفس وعدم الانجرار إلى أي استفزاز بعدما استشعرت أن «أمراً ما يحضر، وهو ما حدث يوم التشييع عندما طلب عناصر الأمن الوطني الذين كانوا يحيطون بالمقبرة من مسلحي حماس الخروج منها وهو ما رفضته الحركة فباشروا بإطلاق النار». تؤكد «حماس» أن عناصرها لم يطلقوا النار «ولو فعلوا لوقعت مجزرة». ولتخفيف حدة التوتر، ساهمت الحركة في إقناع أهالي الشهداء الذين سقطوا بدفن أبنائهم، بعد تسليم المطلوب بإطلاق النار إلى مخابرات الجيش ووعد الحركة بمتابعة التحقيقات وصولاً إلى المحاكمة.
حالياً، لا تسعى الحركة إلى التصعيد وتحاول تهدئة الأجواء، خاصة أنها حيّدت حركة التحرير الوطني الفلسطيني، محمّلة مسؤولية ما جرى للأمن الوطني الفلسطيني. وتستغرب الحركة التصعيد الذي تقابلها به «فتح»، بعد إعلان الأخيرة قطعها العلاقات والتواصل كلياً مع «حماس». ويلفت قياديون حمساويون إلى «أننا لم نحمّل السفير الفلسطيني أو فتح كفصيل المسؤولية، وما جرى لم يكن قراره من لبنان بل رام الله، لذلك لا مبرر لفتح كي تتصرف بهذه الطريقة».
«الأخبار» حاولت التواصل مع قيادات في «فتح» لنقل وجهة نظر الحركة، إلا أن هؤلاء رفضوا التعليق.
على صعيد آخر، وصل إلى بيروت أمس رئيس إقليم الخارج في حماس خالد مشعل في زيارة غير واضحة البرنامج.