عندما تتصرّف أعلى سلطة قضائية بهذا القدر من الانحياز السياسي والطائفي، فتَستخِفّ بعقول أهل العلم والقانون، وتتجاهل مصير البلاد والعباد كرمى لعيون دول عدوّة ترعى قاضياً لا يهتم لرأي ويواصل جنونه، بعيداً عن أي نوع من المساءلة والمحاسبة،وعندما يقبل قضاة من رتب عالية الخضوع لضغط سفير أو زعيم أو حفنة من زعران السفارات أو سلطات من يتحدّثون باسم الله ويمسكون بمفاتيح الجنة،
وعندما يصمت قضاة عن كل أنواع التمييز العنصري طبقياً واجتماعياً وسياسياً وطائفياً ووظيفياً ضد زملاء لهم أو ضدّ مواطنين متضرّرين أو مشكّكين بحيادية قاض،
وعندما تصبح السلطات القضائية، كاملة، رهينة رغبات بعض أهلها ممن يطمحون الى مواقع بارزة في الدولة على شاكلة رئيس أو وزير أو نائب، وممّن يقبلون بالتعدّي على حرمة الدماء والعمل غبّ الطلب عند حاكم يصدر أوامره من خلف البحار،
وعندما تتحوّل المنظّمات المحلية والإقليمية والدولية المعنية بالحريات العامة وحقوق الإنسان إلى شريكة في الجرائم بصمتها أو تحيّزها أو حيادها السلبي...
عندها يكون لبنان أمام حالة القهر اللامحدود بكل أنواعه، وعندها ليس علينا أن نستغرب تصرّف محكمة عسكرية استثنائية غير قادرة على أداء واجبها المفترض بها تنفيذه باستقلالية عن إمرة واليها العسكري.
رئيس المحكمة العسكرية، العميد منير شحادة، يعرف أنه خالف القانون عندما قبل النظر في ادّعاء ضد صحافيٍ للاشتباه في أنه ارتكب جريمة رأي. لكن رئيس المحكمة العسكرية يقول صراحة، من دون خجل أو وجل، إنه غير قادر على الوقوف محايداً أمام ادعاء يمسّ هيبة الجيش وقائده، وهو لن يفعل ذلك خشية أن يظهر ضعيفاً، بينما قبل مدّعون عامون بالمهمة نفسها. وهو يعرف أنه أسقط كل الحياد البديهي الذي يفترض به أن يتمسّك به عندما يجلس على قوس ليصدر حكماً فيه قهر أو تعسّف بحق مواطن، فكيف وهو يعرف، كما نعرف نحن، أن ملاحقة الزميل رضوان مرتضى أمام المحكمة العسكرية ليست سوى فعل انتقامي شخصي تولّاه قائد الجيش العماد جوزيف عون.
جوزيف عون مواطن عادي، ويبقى مواطناً عادياً حتى لو شغل منصب قائد الجيش. وهو يعمل بإمرة الشعب، وموظف يتقاضى راتبه من المواطنين، ويفترض به أن يكون أول من يحترم نصوص الدستور والقوانين. لكنه، مع الأسف، يعتبر نفسه فوق كل السلطات، وفي موقع يخوّله القيام بكل ما يريد من دون سؤال أو رقابة أو نقاش، ولا يقيم وزناً لكل السلطات الدستورية. فلا هو مهتمّ برأي رئيس للجمهورية أو رئيس للحكومة أو وزير للدفاع، ولا هو مهتم أصلاً برأي مجلس النواب، ولا يحترم الصحافة ولا كل من يخالفه الرأي. وهو يقصد عواصم العالم ليستجدي تمويلاً مباشراً، ويقبل بتلقّي هبات مالية مباشرة من دول وحكومات وأشخاص، ويضعها في حسابات لا يمكن لغيره إدارتها، ثم ينفق ما يراه مناسباً على من يراه مناسباً. وفوق كل ذلك، يريدنا أن نتهيّأ لاستقباله، قريباً، رئيساً جديداً للعصفورية اللبنانية.
ما قررته المحكمة العسكرية، أمس، من حكم بالسجن على الزميل مرتضى، ليس سوى جريمة كبيرة بحق الجيش والقضاء والصحافة والحريات. وهو رسالة تهديد لنا، في «الأخبار» وفي الجسم الصحافي، وتلويح لنا بالويل والثبور إن سألنا أو دقّقنا في ما تقوم به مؤسسة عسكرية تعاني الأمرّين في ظل هذه القيادة.
ما قررته المحكمة العسكرية سنتعامل معه على شكل دعوة صريحة، لنا، بأن نرفع الصوت والسقف الى أعلى. وليس بيد هذه المحكمة، ومن خلفها الجيش، سوى إصدار مزيد من الأحكام، وإرسال العسس لملاحقتنا في بيوتنا ومكاتبنا، باسم القانون الأجوف الذي بات واجباً مقاومته وعدم الانصياع لشروطه. وليس بيد هؤلاء الطغاة إلا اللجوء إلى مزيد من البطش والقمع، لأننا لن نقبل مراعاة أحد بعد اليوم، وسنذهب الى أقصى ما نقدر عليه، في المراقبة والتدقيق والقول الصريح، سواء أعجب كلامنا من أعجبه أو أغضب من يريد أن يغضب.
ببساطة شديدة، لن نقبل بسلطة الأميركيين القائمة بواسطة جوزيف عون وعسسه، ولن نتوقف عن فضحهم ومقاومة بطشهم وقهرهم.
أما الذين يسكنون القصور الباردة كالقبور، شركاء كانوا في أصل الجريمة أو واضعي أقنعة أو صامتين، فهؤلاء ليسوا أقلّ من شركاء صغار في هذه الجريمة...
جوزيف عون، أرسل عسسك لاعتقال رضوان مرتضى، واعتقال من تريد منا. افعل ذلك بالطريقة التي تحلو لك. لكن، ثق بأنك لن تحظى منّا بلحظة صمت عن موبقاتك كيفما سرت ونطقت وتحركت!